كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية (هل القرآن يوضح الواضح؟)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية (هل القرآن يوضح الواضح؟)
150 0

الوصف

                                                    الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية 

                                                       (هل القرآن يوضح الواضح؟)

اتَّهَمَ الفادي القرآنَ بأَنَّه يُوَضِّحُ الواضِحَ، وهذا مَطْعَن فيه، فما الدّاعي لذلك.

واستشهدَ على ذلكَ بقولِه تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) .

قال: " فلماذا لم يَقُلْ: " تلكَ عشرة " مع حَذْفِ " كامِلَة "، تلافياً لإِيضاحِ الواضح؟ ومَنْ يَظُنُّ أَنَّ العشرةَ تِسْعَة؟! ".

تتحدثُ الآيةُ عن الواجبِ على مَنْ حَجَّ مُتَمتِّعاً، أَيْ يُؤَدّي مناسكَ العمرةِ من طَوافٍ وسَعْي، ثم يتحلَّل، وَيلبسُ ملابِسَه العادِيّة، ثم يُحرمُ بالحَجِّ يومَ الثامنِ من ذي الحجة، ويتوجَّهُ مع الحُجّاجِ إِلى عَرَفَة، فهذا يَجِبُ عليه أَنْ

يَذبحَ هَدْياً، فإِنْ لم يَجِدْ ثَمَنَ هَدْي انتقلَ للصيام، بأَنْ يَصومَ في مكةَ ثَلاثةَ أَيام، وإِذا عادَ إِلى بَلَدِه صامَ سبعةَ أًيام، فيكونُ المجموعُ عشرةَ أَيام، يَصومُها كاملة.

قال تعالى: (فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) .

ومعلومٌ أَنَّ ناتجَ الثلاثةِ معَ السبعةِ عشرةٌ، فلماذا قال: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) ؟ وهل هذا من بابِ تحصيلِ الحاصلِ وتوضيحِ الواضح؟.

الإِشارةُ في (تِلْكَ) إِلى حاصلِ جَمْعِ الثلاثةِ والسبعة. والتقديرُ: نتيجةُ جمع الأَيامِ الثلاثةِ والسبعة هي عشرةُ أَيّام.
وحكمةُ ذكْرِ الجملةِ: (تِلْكَ عَشَرَةٌ) ، هي التوكيدُ، ولإِفادةِ تَقريرِ الحكمِ مَرَّتَيْن: مرةً بالتفريقِ: (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) ، ومرةً بالجمع: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) .
وهذا كقولك: كتبتُ بيدي.
فإضافَةُ شبْهِ الجملةِ " بيدي " للتوكيد، لأَنَّ الكتابةَ لا تكونُ إِلّا باليد، فهو يُريدُ التأكيدَ على الكتابةِ الحقيقيةِ الحسية.
ولذكْر الجملةِ حكمةٌ أُخرى، وهي نفيُ التخيير، والتأكيدُ على الإيجابِ والإلزامِ بصيامِ العشرة أيام، لأَنَّ تَفريقَ الأَيام: ثلاثة وسبعة قَد يَتَوَهَّمُ منه بعضُهم بأَنَّ المرادَ التخييرُ بين الثلاثةِ والسبعة، فنفت الجملةُ الأَخيرةُ التخيير،
وأَكَّدَتْ على أَنَّ المرادَ هو الإِيجاب، فليست الرخصةُ في إِنْقاصِها عن عشرة، وإِنما الرخصةُ في تفريقها بين ثَلاثَةٍ وسَبعة.
ووصْفُ العشرةِ بأَنها كاملة: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) ليسَ من بابِ توضيحِ الواضح، كما فَهمَ الفادي الجاهل، وإِنما من بابِ الحَثّ على صيامِها كُلِّها كاملة، وعدمِ إِنقاصِ أَيِّ يومٍ منها، فإِنْ أَنقصَ يوماً منها لم تَكُن العشرةُ كامِلَة.
فالمرادُ بكَمالِها كَمال صيامِها، وليس كمال عَدِّها، ولن يكونَ عَدُّها كامِلاً إِلّا أَنْ يكونَ صيامُها كاملاً، فكمال عَدِّها بكمال صيامِها!