كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (من هم أتباع نوح - عليه السلام -؟)
الوصف
الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية
(من هم أتباع نوح - عليه السلام -؟)
لَمّا دعا نوحٌ عَلّإِثر قومَه إِلى عبادةِ اللهِ وَخدَه كَفَروا به وكَذَّبوه، ولم يَتْبَعْه إِلّا قليلٌ منهم، وأَثارَ الملأُ من قومِه الشبهاتِ ضِدَّه، وأَخبَرَنا اللهُ في القرآنِ عن بعضِ تلك الشبهات.
قال - عز وجل - (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (٢٧)) .
اتَّهَمَ الملأُ نوحاً بأَنَّه ليسَ نبيّاً، وأَنه بَشَرٌ مثلُهم، وأَنَّ الذين آمَنوا به واتَّبَعوهُ ليسوا سادَةَ القومِ وأَشْرافَهم، إِنما هم الأَراذلُ والضعفاءُ: (وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ) .
وخَطَّأَ الفادي القرآنَ في هذا الكلام، لأَنه يتعارضُ مع كلامِ الأَحبارِ في العهد القديم، والمعتمدُ عنده هو ما في العهدِ القديم. قال: " ونحنُ نسأَل: أَينَ الأَراذلُ الذينَ اتَّبَعوا نوحاً وآمَنوا به؟ إِنَّ أَحَداً لم يُؤْمِنْ بكَرازَتِه، كما تقولُ
التوراةُ والإِنجيلُ، ولم يدخُل معه في الفلكِ إِلا امرأَتُه وأَولادُه ونساءُ أَولادِه، وهم ليسوا أَراذل، والقرآنُ يقول: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (٧٧)) وهذا يعني أَنَّ الحديثَ الذي دارَ بين نوحٍ وقومِه عن إِيمانِ البعضِ به لم يَحْدُثْ"
لقد كانَ القرآنُ صَريحاً في إِيمان عددٍ قليلٍ من قومِه.وقد سبقَ أَنْ بَيَّنّا كذبَ الأَحبارِ والفادي في زعْمِهم أَنَّ ركابَ السفينةِ كانوا ثمانيةَ أَشخاصٍ فقط، هم أُسرةُ نوح.
ويواصِلُ الفادي هنا كذبَه وافتراءَه عندما ادّعى أَنَّه لم يؤمنْ به أَحَدٌ من قومِه! ولا ندري ماذا كان نوحٌ يفعلُ معهم طيلة حوالي أَلْف سنة؟
يَزعمُ الأَحبارُ والفادي أَنه لم يَدْعُهم إِلى اللهِ خلالَ هذه المدةِ كُلِّها، ولذلك لم يُؤمِنْ به أَحَد! وقد أَخطأَ القرآنُ عندما أَخبرَ عن كلامٍ بينَه وبين قومِه عن إِيمانِ بعضِهم، لأَنَّ هذا الحديثَ لم يَحدثْ كما جزمَ الفادي!.
لقد كانَ القرآنُ صَريحاً في إِيمان عددٍ قليلٍ من قومِه. قال تعالى: (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (٤٠)) .
وأَخطأَ الأَحبارُ والفادي عندما زَعموا أَنَّ كُلَّ عائلةِ نوحٍ كانوا في السفينة، وقد سَبَقَ أَنْ بَيَّنّا خَطَأَهم فيما مَضى، وذَكَرْنا أَنه لم يركبْ معه في السفينة إِلّا المؤمنونَ من أَهْلِه، وأَنَّ امرأَتَه كافرة، وأَنَّ أَحَدَ أبنائِه كافر.
فلم يُخطئ القرآنُ في حديثِه عن ما جرى بينَ نوحٍ وقومِه الكافرين، وإِنما أَخْطَأَ الفادي في اعتراضه على القرآنِ، واعتمادِه على أَخطاء العهدِ القديمِ التي كَذَّبها القرآن.