كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (حول صنع السامري للعجل)
الوصف
الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية
(حول صنع السامري للعجل)
أَخبرَ القرآنُ أَنَّه لما غابَ موسى - صلى الله عليه وسلم - عن قومِه، وذهبَ إِلى مناجاةِ ربه على جبلِ الطور، وتركَ فيهم أَخاهُ هارونَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مسؤولاً، فَتَنَهم السّامريّ، وأَخَذَ ما معهم من حُليٍّ وذَهَبٍ، وصَهَرَه، وصَنَعَ منه عِجْلاً، ودَعَاهم إِلى عبادته، على أَنه إِلهٌ لهم، ففعلوا .
قال تعالى: (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (٨٣) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (٨٤) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (٨٩) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (٩١) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (٩٥) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (٩٧)) .
تُصرحُ الآياتُ أَنَّ السامريَّ هو الذي صنعَ العجلَ لبني إِسرائيل، ولا تذكرُ الآيات ُ شيئاً عن السّامريّ غيرَ صنعِه العجل.
ولم يُذْكَر السامريّ في غيرِهذه الآياتِ من سورةِ طه. ولا نَعرفُ نحنُ شيئاً عن بدايةِ أَمْرِه، ولا عن علْمِه ومهارتِه، ولا عن نهايتِه، كلُّ ما أَشارَ إليه القرآنُ أَنَّ موسى - صلى الله عليه وسلم - عاقَبَه بقوله:
(فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ) .
ونفهمُ من هذه الإِشارةِ أَنَّ موسى - صلى الله عليه وسلم - عاقَبَ السامريَّ على جريمتِه بطرْدِه، وإخراجِه من بينِ بني إِسرائيل، ونَبْذِه، فذهبَ مَنْبوذاً مَطْروداً .
ولا نعرفُ كَيفَ كَانتْ وفاتُه ونهايتُه!. وقد اعترضَ الفادي على هذا، وخَطَّأَ القرآنَ في حديثهِ عنه. وذلك في قولهْ " ونحنُ نسأل: السامرةُ مدينةٌ في فلسطين، لم يكن لها وجودٌ لَمّا خرجَ بنو إِسرائيل من مصر، وسافَروا في سيناء، فعملَ لهم هارونُ العجلَ الذهبيَّ كطلبِهم، فكيفَ نَتَخيَّلُ سامريّاً يصنعُ لهم العجلَ قبلَ أَنْ يكونَ للسّامريّين وجود؟ ! "
يَربطُ الجاهلُ بين السّامريِّ والسامريّين والسّامرة. وأَرضُ السامرةِ هي منطقةُ نابلس المعروفةُ حاليّاً، ويَدَّعي الفادي أَنها لم تُسَمَّ السامرةَ إِلّا بعدَ أَنْ أَقامَ فيها السّامريّون، وهم طائفةٌ معروفةٌ من بني إِسرائيل، وسُمُّوا السّامريّين بعدَ وفاةِ موسى - صلى الله عليه وسلم - بقُرون.
وبما أَنَّ السّامريَّ ابْنُهم - حسبَ فهم الفادي القاصِر - فكيفَ يكونُ موجوداً مع موسى - صلى الله عليه وسلم - في سيناء؟
وكيف يولَدُ الابنُ قبلَ أَبيه وجَدِّه؟ إِذَنْ أَخطَأَ القرآنُ عندما اتَّهَمَ السامريَّ بصنْعِ العجل، وذهبَ القرآنُ إِلى أَنَّ السامريَّ الابنَ خُلِقَ وعاشَ قبلَ مولدِ أَبيهِ وجَدِّه!!.
لقد كان السامريُّ مع بني إِسرائيلَ عندما كانوا في سيناء، ويبدو أَنه إِسرائيليّ خرجَ معهم من مصر، لكنه كان إِسرائيليّاً كافراً، مثلَ قارونَ الذي تحدَّثْنا عنه قبلَ قليل، ولذلكَ صنعَ لهم العجل ودَعاهم إِلى عبادته.
وبما أَنَّ " السامريَّ " إِسرائيليّ، كانَ معهم في مصر، فاسْمُه إِسرائيلي، والكلمةُ إِسرائيلية، ولها معنى في اللغةِ العبريّة، ولهذا الاسمِ وجودٌ عند الإِسرائيليّين، سواء كان اسْمَ شخصٍ أَو اسمَ قبيلة!!.
وهذا معناهُ أَنَّ " السّامريّين " مجموعةٌ من الإِسرائيليّين، قد يكونونَ فَرْعاً من قبيلةٍ إِسرائيلية، ولعلَّهم سُمّوا بهذا الاسم نسبةً لاسْمِ " السامريّ "، ولعلهم كانوا من ذريةِ ذلك السَّامريِّ الذي عاقَبَه موسى - صلى الله عليه وسلم - بسببِ صنعِه العجل، والذي لا نعرفُ كَيفَ كانَتْ نِهَايَتُه، فإذا كان أولادٌ وإخوةٌ وأقارب، فمن الممكنِ أَنْ يُسَمّوا " السّامريّين "، وأَنْ يَكونوا مَعْروفينَ بهذا الاسمِ من أيامِ موسى - صلى الله عليه وسلم!!.
ولما دَخَلَ بنو إِسرائيلَ أَرضَ فلسطينَ المقَدَّسَة، كانتْ منطقةُ نابلس تُسَمّى أَرضَ شكيم الكنعانية، وسُمِّيَتْ أَرضَ السّامرة بعدَ ذلك، وهو اسْم إِسرائيليّ عِبريّ، ولعلَّ لعشيرةِ السّامريّين، المتولدةِ عن السّامريِّ صانعِ العجلِ دَوْراً في تسميةِ المنطقةِ بالسّامرة، ولعلَّهم أَقاموا في المنطقة، فسُمِّيَتْ باسمِهم!!.
فلا معنى لاعتراضِ الفادي على السّامريِّ في القرآن، واعتبارِهِ خَطَأً تاريخيّاً في القرآن، فالسّامريُّ أَصْل للسّامريّين والسامرة، وُجِدَ قبْلَهم في الزَّمان.
ومعنى " السّامرة " في اللغةِ العبرية: " مركزُ المراقبةِ والحِراسَة ". جاءَ في كتابِ " قاموس الكتاب المقدس ": " السّامرة: اسْم عبرانيٌّ معناه: مركزُ الحارس. وهي عاصمةُ الأَسباطِ العشرة، أَثناءَ أَطولِ مُدَّةٍ في تاريخِهم.والمدينةُ واقعة على تَلّ، وسُمِّيَتْ " مكانَ المراقبة " وتقعُ مدينةُ السامرة - أو سبسطية - على تَلٍّ على مسافةِ خمسةِ أَميالٍ ونصف شمالَ غربِ شكيم . والسّامرةُ أَيضاً اسْمُ الإِقليمِ الذي عاصِمَتُه مدينةُ السامرة، وهو الذي احتلَّه الأَسباطُ العشرةُ، والسامرةُ اسْمُ المملكةِ الشمالية. والسّامريّون هم السكانُ المتَّصلونَ بالمملكةِ الشمالية.. "
إِنَ ما قالَه القرآنُ عن السّامريّ هو الحَقُّ والصواب، ولا خطأَ فيه، ولا اعتراضَ عليه، فهو قَبْلَ السّامريّين في التاريخ، وهم من نسْلِه وذريته، ولذلك حَمَلوا اسْمه، ولما أَقاموا في تلكَ المنطقةِ سُمِّيَتْ باسمِهم، فالصلةُ بين
السّامريّ والسّامرةِ والسّامريّين وثيقة!!.