كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية ( حول ترتيب أسماء الأنبياء)
الوصف
الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية
(حول ترتيب أسماء الأنبياء)
في سورةِ الأَنعامِ ثلاثُ آياتٍ ذَكَرَتْ ثمانيةَ عَشَرَ نبياً. وهي قول الله - عز وجل -: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (٨٦)) .
الهاءُ في " لَهُ " تعودُ على إِبراهيم - عليه السلام - والأَنبياءُ الثمانيةَ عَشَرَ مذكورون في المجموعاتِ الحَالية: إِبراهيمُ وإِسحاقُ ويَعقوب، ونوحٌ لوحده، وداودُ وسليمانُ وأَيوبُ ويوسفُ وموسى وهارون، وزكريّا ويَحْيى وعيسى وإِلياس، وإِسماعيلُ واليسعُ ويونُسُ ولوط.
وذِكْرُ الأَنبياءِ في هذه المجموعاتِ أَثارَ اعتراضَ الفادي؟ قال: " ونحنُ نَسْأَل: كيفَ صُفَّتْ هذه الأسماءُ بلا نظامٍ ولا تَرْتيب، بما فيها من تقديمٍ وتَأْخير، يَدْعو للتشويشِ والخلْط؟ فما الدّاعي لذِكْرِ داودَ وسُليمانَ قبلَ أَيوبَ ويوسفَ وموسى وهارون؟ وما الدّاعي لذكْرِ زكريّا ويَحيى وعيسى وإِلْياس؟ وما الدّاعي لذكْرِ إِسْماعِيلَ بعدَ إِسْحاقَ ويَعقوبَ وداودَ وسُليمانَ وأَيوبَ ويوسفَ وموسى وهارونَ وزَكريّا ويحيى وعيسى وِإلْياس؟
وما الدّاعي لذكْرِ اليسعَ ويونسَ قبَل لوط؟. مع أَنَّ الترتيبَ التاريخيَّ معروف قبلَ القرآنِ بمئاتِ السِّنين، أَيوبُ في بلادِ عوص، وإِبراهيمُ وابنُ أَخيه لوط، وابْناهُ إسماعيلُ وإِسحاق، وحفيدُه يعقوب، وابنُ حفيدهِ يوسُف ومِنْ بَعْدِهم موسى وهارون ومنْ بَعْدِهما داودُ وسليمانُ ابنُه، ومن بعْدِهما إِلياسُ والْيسعُ تلميذُه، ومِنْ بعدِهما يونُس؟ هؤلاء كلُّهم في العهدِ القديم. ومن بعدِهم زكريّا ويحيى وعيسى في العهدِ الجديد.. ".
ولا يوجَدُ في ذِكْرِ الأَنبياءِ في الآياتِ ما يَدْعو للاعتراضِ أَو الإِنكار، وليس في ذِكْرِ هؤلاءِ الأنبياءِ خطَأ تاريخيّ وقعَ به القرآن. الهدفُ هو ذكْرِ أسماء الثمانيةَ عشرَ نبيّاً ذِكْراً فقط، وليس الهدفُ ذِكْرَ الأَسماءِ وفقَ الترتيبِ والتسلسلِ التاريخيّ، فاعتراضُ الفادي في غير مكانِه. والترتيبُ الذي ذَكَرَه هو ليسَ صحيحاً، فهو يَرى أَنَّ أَيّوبَ كانَ قبلَ إِبراهيم - صلى الله عليهما وسلم -، وهذا غيرُ صَحيح، والصحيحُ أَنَّ أَيوبَ كان من ذريةِ إِبراهيمَ، بنصّ الآية: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ) . وهو يرى أَنَّ زكريّا ويحيى من أَنبياءِ العهدِ الجديد، وهذا غيرُ مُسَلَّم، فالعهدُ الجديدُ هو الإِنجيلُ الذي جاءَ به عيسى - صلى الله عليه وسلم -، وكان زكريّا قبل عيسى، وإِنْ كانَ الأَنبياءُ زكريا ويحيى وعيسى أنبياء لبني إِسرائيل . واللافتُ للنظرِ أَنَّ القرآنَ عندما يذكرُ أَسماءَ بعضِ الأَنبياءِ فإِنه لا يُرَتِّبُهم تَرتيباً تاريخيّاً، كما هو في الآياتِ السابقة من سورةِ الأنعام، وكما في قولِ تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (١٦٣)) .