كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (بين زكريا ومريم!!)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (بين زكريا ومريم!!)

الوصف

                                                    الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية

                                                         (بين زكريا ومريم!!)

أَخبرَ القرآنُ أَنَّ اللهَ جعلَ النبيَّ زكريّا - عليه السلام - يكفَلُ مريمَ - عليه السلام. 

قال تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٧)) .

واعتبرَ القِسّيسُ الفادي هذا خَطَأً تاريخيّاً وَقَعَ به القرآن، لأَنَّه يُناقضُ ما في الكتابِ المقَدَّس - العهدِ القديمِ والعهدِ الجديد - والمعَتَمَدُ عند الفادي هوما في الكتابِ المقَدَّس طبعاً.

قال في تخطئِتِه للقرآن: " وهذا يُناقضُ وقائعَ التاريخ، فمريمُ ابنةُ عمران - حسبَ التوراة - لم تتزوَّجْ ولم تَلِد، وهي أُخْتُ هارون، واسْمُ أُمِّها يوكابد. والمرأةُ الوحيدةُ التي نذرَتْ ما في بطنِها هي حَنَّةُ، أُمُّ النبيِّ صموئيل.

ولم يَرِدْ أَنَّ زكريا كانَ يقيمُ في الهيكلِ في أُورشليم، حتى يكفَلَ مريمَ هناك، لأَنَّ زكريا من حَبْرون، ولا يأتي ليخدمَ في الهيكلِ إِلَّا بالقرعة، ولمدةِ خمسةَ عَشَرَ يوماً في السنة الوقا: ١/ ٥ - ٤٠) ، ولا يُقيمُ أَحَدٌ في المحراب أَو يدخلُ فيه إلّا رئيسُ الكهنة، مرةً واحدةً فقط في السنة، في يومِ الكفارةِ العظيم، بدمِ ذبيحة، ليُكَفّرَ عن خطايا الشعب (الملوك الأول: ٦/٨ و ٨، و ١٦/٩) . ولم يكفَلْ زكريا مريمَ، لأَنها من سبْطِ يَهوذا، وزكريّا من سبْطِ لاوي (عبرانيين: ٧/ ١٤) وكان زكريا يُقيمُ في حَبْرون، بينما كانت مريمُ تقيمُ في الناصرة.. "

المرجعُ عند الفادي هو الكتابُ المُقَدَّس، وهو عنده الحَكَم على كلِّ ما سِواه، وما وَرَدَ فيه فهو الصحيحُ والصواب، وما خالَفَه فهو الخطأ!! ولذلك هو " يُحاكمُ " القرآنَ إِلى كتابِه، وأَيُّ كَلامٍ في القرآنِ اختلفَ مع ما في كتابِهفهو الخَطَأ. وهو لا يُؤمنُ أَنَّ القرآنَ من عندِ الله، ولذلك يُجيزُ وُقوعَ القرآنِ في الخَطأ، لأَنه كلامُ بَشَرٍ يُخطئُ ويُصيب!!. وحاكَمَ ما وردَ في القرآنِ عن زكريّا ويحيى وعيسى - عليهما السلام -، وما وردَ عن نشأةِ مريمَ - عليها السلام - إِلى ما في كتابِه الذي يؤمنُ به، وذَكَرَ ما وردَ في كتابِه بهذا الموضوع، واعتبرَ القرآنَ مخطئاً في حديثِه عنه!. ونعتقدُ أَنَّ ما يفعلُه القِسّيسُ الفادي خطأٌ منهجيٌّ وَقَعَ فيه، وخِلافُنا معه خِلافٌ جَذْرِيٌّ أَساسيّ منهجي. إِننا نوقنُ أَنَّ القرآنَ كلامُ الله، وهو يُنكرُ ذلك، ونحنُ نوقنُ أَنه لا خَطَأَ في القرآن، وهو يُثبتُ ذلك، ونحن نوقنُ أَنَّ اليهودَ حَرَّفوا التوراةَ في أَسفارِ العهدِ القديم، وهو يَنفي ذلك، ونحنُ نُوقِنُ أَنَّ النَّصارى حَرَّفوا الإنجيل، وهو يَنفي ذلك! ومرجعُنا القرآنُ، وهو يرفضُ أَنْ يكونَ مرجعاً لَهُ، ومرجعُه هو الكتابُ المقدس ونحن نرفضُ أَنْ يكونَ مرجعَنا. نرفضُ أَنْ يتعامَلَ الفادي مع القرآنِ على هذا الأَساس، ونرفضُ الأَحكامَ التي يخرجُ بها من مقارنتِه بينَ القرآنِ والكتابِ المقَدَّس. فالصوابُ هو ما ذَكَرَه القرآنُ عن ما يتعلقُ بمريمَ وزكريا - عليهما السلام -، وما قاله الكتابُ المقَدَّسُ مخالِفاً لما قالَه القرآنُ نجزمُ بأَنه خَطَأ.يَقولُ الفادي معتَمداً على الكتاب المقَدَّس: المرأةُ التي نَذَرَتْ ما في طنها هي " حَنَّةُ " أُمُّ صموئيل. وهذا كلامٌ نتوقَّفُ نحنُ فيه، فلا نَنْفيه ولا نُثبتُه، واللهُ أَعلمُ بصحَّتِه. وقد أَخْبَرَنا اللهُ أَنَّ المرأةَ التي نَذَرَتْ للهِ ما في بطنِها هي امرأةُ عمران.

قال تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦)) .

لم يذكر القرآنُ اسمَ امرأةِ عمران، كما أَنه لم يَرِدْ ذكْرٌ لها في الحديثِ الصحيحِ عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وهو من " مُبهماتِ القرآن " التي لا نُحاولُ بَيانَها، ونقول: اللهُ أَعلمُ باسْمِها.

كانت امرأةُ عمرانَ صالحةً عابدةً لله، ولما كانَتْ حامِلاً نَذَرَتْ ما في بطنِها خالِصاً لله، ولا نعرفُ مُلابساتِ هذا النَّذْر، وكأَنها كانتْ تَتَمَنّى لو كانَ ما في بطنِها ذَكَراً، ولما وَضَعَتْ حَمْلَها كانت أُنثى، فاستمرَّتْ على نَذْرِها، وجعلت المولودةَ الأُنثى لله، وسَمَّتْها مريم، ودَعَت اللهَ أَنْ يَحفظَها ويَرْعاها. فمريمُ هي ابنةُ عمران بنصِّ القرآنِ.

قال تعالى: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا) .

ونفى القسيسُ الفادي ما وردَ في القرآن، فمريمُ عِنْدَه هي " مريمُ بنةُ عمرام "، بالميم وليس بالنّون، ولها أَخ اسْمُه هارون، واسْمُ أُمِّها يوكابد. وهذا كلامٌ نتوقفُ نحن فيه، كلُّ ما نقولُه: مريمُ التي نعرفُها هي مريمُ بنةُ عمران، ولا نعرفُ اسْمَ أُمِّها التي نَذَرَتْها لله، ولها شقيق اسْمُه هارون. ويَرى الفادي أَنَّ زكريّا من سَبْطِ لاوي، ومريمَ من سَبْطِ يهوذا، فلا قرابةَ ولا صلةَ بينَها وبينَه، فكيفُ يكفَلُها؟ ! وهذا كلامٌ نتوقَّفُ فيه، فلا نَعرفُ السَّبْطَ الذي يَنتسبُ له النبيُّ زكريّا - عليه السلام -، ولا الذي تنتسبُ له مريمُ - عليها السلام -، لعدمِ ذكْرِه في مصادِرِنا الإِسلاميةِ الصحيحة.

ويرى الفادي أَنَّ زكريا من حَبْرون - الخليل - وأَنَّ مريمَ كانت تُقيمُ في الناصرة شمالَ فلسطين، والمسافةُ بينَهما بعيدة، فكيفَ يكفَلُها؟!.

وهذا كلامٌ نتوقَّفُ فيه أَيضاً. الذي نقولُ به هو ما وَرَدَ في القرآن، من أَنَّ اللهَ حفظَ مريمَ - عليها السلام -، وأَنَّ العابِدينَ تَنازَعوا فيها، كلُّهم يريدُ أَنْ يكفَلَها، فاقْتَرَعوا قرعة، على أَنْ يُلقوا أَقلامَهم، وفازَ زكريا بالقُرعة، وبذلك قامَ بكفالتِها، وبقيتْ في كفالتِه حتى كبرت.

قالَ تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٧)) .

وقال تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤)) .

وتَدُلُّ مصادرُنا الإِسلاميةُ على وُجودِ صلةِ قرَابةٍ بينَ مريمَ وزكريا، فقد أَخبرنا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ عيسى ويَحيى - عليهما السلام - أَبناءُ الخالة، وهذا معناهُ أَنَّ أُنَّ يحيى وأُمَّ عيسى أُخْتان، فامرأةُ زكريا - عليه السلام - هي أُختُ مريم الكبرى، وبكفالة زكريا مريمَ تكونُ مريمُ قد عاشَتْ عند أُخْتِها، لِتَرعاها وتتعهدَها!!