كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثالث نقض المطاعن الأخلاقية (حول قسم الله بمخلوقاته)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثالث نقض المطاعن الأخلاقية (حول قسم الله بمخلوقاته)
165 0

الوصف

                                                    الفصل الثالث نقض المطاعن الأخلاقية 

                                                         (حول قسم الله بمخلوقاته)

أَقسمَ اللهُ بكثيرٍ من مخلوقاتِه في القرآن، بحيثُ أَصبحَ القَسَمُ بها ظاهرةً من ظواهرِ التعبيرِ القرآني.

وقد ذَكَرَ الفادي بعضَ الآياتِ التي أقْسَمَ اللهُ فيها ببعضِ مخلوقاتِه  

١ - قولُه تعالى: (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥)) .

وعَلَّقَ الفادي المفترِي على هذه الآياتِ بقولِه: " فصاحِبُ القرآنِ يُقسمُ بالفجر، والليالي العشرِ الأَخيرةِ من رمضان، وبالأَشياءِ كُلّها شَفْعِها وَوَتْرِها، وبالليلِ المدْبِر، ويقولُ: إِنَّ أَقسامَه هذه لذي عَقْل! ".

ومن كَيْدِ الفادي ولُؤْمِه أَنه لم يَقُل: " الله يقسم بالفجر "، وإِنما قالَ:" فصاحبُ القرآنِ يُقسمُ بالفجر "! ومن هو صاحبُ القرآنِ في نظرِه؟

إِنه لا يُقِرُّ أَنَّ القرآنَ كلامُ الله، أوحى به إِلى رسولِه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وإِنما يجعلُ القرآنَ من تأليفِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فهو صاحبُ القرآنِ في نظرِ هذا المفتري!.

٢ - قولُه تعالى: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (١) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (٢) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (٤) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (٥) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (٦) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)) .

وعَلَّقَ الفادي على هذا القَسَمِ بقولِه: " في هذه الآياتِ يُقسمُ صاحبُ القرآنِ بالشمسِ والقمر، والنهار والليل، والسماء والأرض، والنفس ".

٣ - قولُه تعالى: (وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣)) .

٤ - قولُه تعالى: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣)) .

٥ - قولُه تعالى: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣)) .

اعترضَ الفادي المفترِي على قَسَمِ اللهِ بهذهِ المخلوقات. فقال: " ونَحنُ نسأَلُ: لماذا يَحلفُ صاحبُ القرآن، ويُقسمُ بكلِّ شيء، بالشمسِ والقمرِ، والنهارِ والليلِ، والسماءِ والأَرض، والنفس والضحى، والتين والزيتون، وجبل سيناءَ ومكة، وغيرِ ذلك؟! هل يَحتاجُ صاحبُ القول الصادقِ إِلى قَسَمٍ يُؤَكّدُ كلامَه؟.

قالَ المسيح: " لا تَحْلِفوا ألْبَتَة، لا بالسماءِ لأَنها كرسيُّ الله، ولا بالأَرضِ لأَنها موطئُ قدمَيْه، ولا بأورشليمَ لأَنها مدينةُ الملكِ العظيم، ولا تَحْلف برأسِك، لأَنك لا تقدرُ على أَنْ تجعَل شعرةً واحدةً بيضاءَ أَو سوداء.. بل ليكُنْ كلامُكم: نَعَم، نَعَم، لا، لا.. وما زادَ على ذلك فهو من الشِّرّير " أمتى: ٣٤/٥ - ٣٧،.. فما الذي دَعا صاحبَ القرآنِ ليحلفَ بكلِّ شيء؟! "

يتوقَّحُ الفادي المفترِي على اللهِ وعلى القرآن، وعلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عندما يُصِرُّ على استخدامِ كلمةِ " صاحبِ القرآن "، وهذا بسببِ تحامِله على الإِسلامِ وكرهِه له وحقْدِه عليه، بحيثُ لا يُطيقُ استخدامَ كلمةِ " قالَ اللهُ في القرآن، كما يَدَّعي المسلمون "!.

واعْتَبَرَ قَسَمَ اللهِ بمخلوقاته في القرآن من أَخطاءِ القرآنِ الأَخلاقية، لأَنَّ الصادق يَذكرُ كلامَه بدونِ قَسَم، فهو لا يَحتاجُ إِلى توكيدِ كلامِه بالقَسَم، ولا إِلى أَنْ يُصَدِّقَه السامعُ بالقَسم!.

وليدللَ الفادي على صِدْقِ كلامِه وانتقادِه للقرآن، أَوردَ من إِنجيل مَتي كَلاماً مَنْسوباً للمسيحِ يَنهى فيه أَتْباعَه عن القَسَمِ بأَيِّ شيء، لا بالسمواتِ ولا بالأَرضِ ولا بالقدسِ ولا بالرأْس!. وعندما نَنظرُ في الكلامِ المنسوبِ لعيسى - عليه السلام - فِإنّنا نَرى أَنّه - إِنْ صَحَّتْ نسبتُه لعيسى - عليه 

السلام - يتوافَقُ مع نهي المسلمين عن القسم بغير الله، فعيسى - عليه السلام - يَنهى عن القَسَمِ بالمخْلوقات: السمواتِ والأَرضِ والقُدْسِ والرأس.

والرسولُ - صلى الله عليه وسلم - نَهانا عن القَسَمِ بغيرِ الله، واعتبرَهُ صورةً من صورِ الشركِ بالله، فَصحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أَنه قال: " مَنْ حَلَفَ بغيرِ اللهِ فقد أَشْرَكَ ".

على أَننا نرفضُ اعتبارَ السماءِ كُرْسِيّاً لله! لأَنَّ كُرْسِيَّه سبحانه وسعَ السمواتِ والأَرْض.

قال تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) . ونرفضُ اعبتارَ الأَرضِ موطئَ قَدَمْي الله، فلا نَجعلُ قَدَمَيْنِ لله، يَطَأُ بهما على الأَرض! لأَنَّ هذا تَجسيم لله، ووصْف له بصفاتِ المخلوقين! واللهُ يقولُ في القرآن: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)) .

واعتراضُ الفادي على قَسَمِ اللهِ بمخلوقاتِه في القرآن مَرْدود، ومن غبائِه وجهلِه أَنه جَعَلَ القَسَمَ دليلاً على حرصِ الحالفِ المقْسِمِ على تَأْكيدِ كَلامِه ، وتصديقِ السامعِ له، فيلجَأُ للقَسَمِ لتحقيقِ ذلك!.

هذا ينطبقُ على قَسَمِ المخلوقين، ولذلك لا يَجوزُ لَهم أَنْ يُقْسِموا بغيرِ الله! لكنه لا يَنطبقُ على قَسَمِ اللهِ بمخلوقاتِه، فهو عندما يُقسمُ بها لا يُريدُ منّا أَنْ نُصَدّقَه، فهو الصادقُ في كلامِه سبحانه، وهو الذي يقول: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (٨٧)) .

عندما يُقسمُ اللهُ ببعضِ مخلوقاتِه فإِنه يريدُ أَنْ يَلْفِتَ أَنظارَنا إِليها، لنلاحظَ عَظَمَتها وفائدتَها لنا، وكونَها آيةً دالةً على وحدانيةِ اللهِ وعظمتِه وقوتِه ورحمتِه وإنعامِه، وعندما نتذكَّرُها نذكُرُ خالقَها العظيمَ ونشكُرُه على تسخيرِها لنا!. 

وبهذا نعرفُ الفرقَ بين قَسَمِ اللهِ بهذه المخلوقاتِ وبين قَسَمِ المخلوقين بها، ونعرفُ سببَ قَسَمِ اللهِ بها!!.