كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل التاسع نقض المطاعن الفنية (سابعاً: هل يأمر الله بالفحشاء؟)

الوصف
الفصل التاسع نقض المطاعن الفنية
(سابعاً: هل يأمر الله بالفحشاء؟)
زَعَمَ الفادي الجاهلُ أَنَ القرآنَ تَناقَضَ في حديثِه عن الفحشاء، فهو يُخبرُ أَنَ الله لا يامُرُ بالفحشاء، وذلك في قولِه تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٢٨)) . وهو يُثبتُ الأَمْرَ بالفحشاءِ لله، قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (١٦)) .
وليسَ الأَمْرُ كما فهمَه الجاهل، فمن المعلومِ أَنَّ اللهَ لا يأمُرُ بالفحشاء.
وهذا ما صَرَّحَتْ به آيةُ سورةِ الأَعراف، حيث رَدَّتْ على أَكاذيبِ الكافرين، فعندما كانوا يَفعلونَ الفاحشةَ كانوا يقولون: اللهُ أَمَرَنا بها، ويَرْضاها مِنّا، ولو لم يَرْضَها منّا ولم يأمُرْنا بها لأَهْلَكَنا عندما فَعَلْناها! فكَذبَهم اللهُ بقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ) .
لقد حَرَّمَ اللهُ الفحشاءَ، فكيفَ يَامُرُ بها، واللهُ لا يَامُرُ إِلّا بالقِسْطِ والخَيْر، ولذلكَ قالَ في الآيةِ التالية: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) .
أَمّا آيةُ سورةِ الإِسراءِ فلا تَدُلُّ على أَنَّ اللهَ يَأْمُرُ بالفحشاء، ولا تَتَناقَضُ مع آيةِ سورةِ الأَعْراف، وإِنما تَلْتَقي معها في تقريرِ أَمْرِ اللهِ بالخيرِ والقسط، بماذا يَأمُرُ اللهُ المتْرَفين؟ هل يَأْمُرُهم بالفسق والفَحشاء؟
(وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (١٦)) .
يَستحيلُ أَنْ يَأْمُرَ اللهُ المتْرَفين بالفسقِ والفحشاء، لأَنه سبحانه لا يَأمُرُبالفحشاء!
وفي قولِه: (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا) كلام مُقَدَّر، يَقْتَضيه السياقُ والمعنى.
والتقديرُ: أَمَرْنا مُتْرَفيها بالطاعة، فَعَصوْا أَمْرَنا وفَسَقوا فيها، وبذلك حَقَّ عليهم القولُ والحكمُ والعذاب، فأَهلكناهم ودَمَّرْناهم.
ومن المعلومِ أَنَ القرآنَ المعجزَ قد يَحذفُ بعضَ الكلماتِ من تعبيرِه قَصْداً، حتى يُفَكَرَ فيه المتَدَبِّرون، ويُقَدِّروا الكلامَ الذي يَقْتَضيه السياق، ولا يَأْخُذوا الأَمْرَ على ظاهِرِه.
وهذا معنى لا يُدركُه الفادي الجاهلُ، المحجوبُ عن القرآن.