كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل التاسع نقض المطاعن الفنية (خامساً: ماذا أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كتب الفرس؟)

الوصف
الفصل التاسع نقض المطاعن الفنية
(خامساً: ماذا أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كتب الفرس؟)
ادَّعى الفادي المجرمُ أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ كَثيراً من القرآنِ من كتب الفرس، وأَنه سَمِعَ قَصَصَ ملوكِ الفرسِ وعَقَائِدَهُمْ من الناسِ حولَه، ثم أَلَّفَ منها قرآنَه.
قالَ المجرم: " ومن المعلوم أَنَ الفرسَ كانوا مُتَسَلِّطينَ على كثيرٍ من قبائلِ العرب، قبلَ مولدِ محمدٍ وفي عصره، فانتشرَتْ قَصصُ ملوكهِم وعقائِدُهُمْ وخرافاتُهم بين العرب، فتركَتْ تأثيرها على محمد، وَدوَّن منها الشيءَ الكثيرَ في قرآنِه ".
ومَن الذي اكتشفَ محمداً - صلى الله عليه وسلم - وهو يَسطو على قَصصِ الفرسِ ويَضَعُها في قرآنِه، كما يَدَّعي الفادي المجرم؟ إِنه الزعيمُ القرشي " النَّضرُ بنُ الحارث "!
قالَ المجرم: يَشهدُ القرآنُ أَنَّ النَّضْرَ بنَ الحارث كان يُعَيِّرُ محمداً بأَنه ناقلُ أَقوالِ الفرس، ولم يأخُذ من الوحيِ شيئاً.
وكان النَّضرُ بنُ الحارث يُحَدِّثُ الناسَ عن أَخبارِ ملوكِ الفرس، ثم يقول: واللهِ ما محمدٌ بأَحسنَ حَديثاً منّي، وما حديثُه إِلّا أَساطيرُ الأَولين، اكتتَبَها كما اكْتَتَبْتُها.
فردَّ عليه محمدٌ في قرآنِه بقولِه: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥)) . وجعل يسب النضر قائلاً: (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٨)) .
يُصَرّحُ المجرمُ في الفقرةِ السابقةِ أَنَّ القرآنَ ليسَ وحياً من عندِ الله، وإِنما هو من صياغةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ولذلك قالَ: " فَرَدَّ عليه محمدٌ في قراَنِه بقولِه: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥)) ".
أَيْ أَنَّ هذه الآيةَ من سورةِ القلمِ من تأليفِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، هو الذي صاغَها وَوَضَعَها في سورةِ القلم.
وسَجَّلَ المجرمُ آيتَيْن من سورةِ الجاثية اعتبَرَهما " سَبَّاً " صاغَهُ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - وشَتَمَ به النَّضْرَ بنَ الحارِث، وَوَضَعَهُ في السورة.
وصَدَّق المفترِي افتراءَه، وجعلَه حقيقةً يَقينيَّة، ورَتَّبَ عليه نتائجَ اعتبرها قاطعة، ولذلك قالَ: " ونحنُ نسأَل: كيفَ يَسمحُ محمدٌ لنفسِه أَنْ يَشْتُمَ النَّضْرَ، وقد اقتبسَ في قرآنِه من أَساطيرِ الفرس، ما كان من معراج أَرتيوراف، وَوَصْفَ الفردوس بِحورِه ووِلْدانِه؟ وقد جَعَلَ محمدٌ فِعْلاً مُعَلِّمَه " سلمانَ الفَارسيَّ " واحداً من الصحابة؟ ".
وللردّ على المفترِي المجرمِ نقول: لم يَشْتُم الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - النَّضْرَ بْنَ الحارث، لأَنه لم يكن سَبّاباً ولا لَعّاناً ولا شاتِماً، ولم يكنْ فاحِشاً بذيءَ اللسان، وكان كَلامُه كلُّه رِقَّةً وأَدَباً وذوقاً، ولم تَصدُرْ عنه كلمةٌ واحدةٌ جارحة.
وأَخطأَ الفادي المجرمُ الجاهلُ في زعمِه أَنَّ آيةَ سورةِ القلمِ وآيتيْ سورةِ الجاثية السابقة نزلَتْ في النَّضْرِ بنِ الحارثِ.
وقد وَرَدَتْ بعضُ الرواياتِ في أَنَّ الذي نزلَ في النَّضرِ بنِ الحارث قولُه تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (٦)) .
ولكنَّ الراجحَ أَنه لم يَنْزلْ فيه، كما أَنه لم ينزلْ فيه آياتُ سورةِ القلمِ والجاثية.
ولم تَصحّ قصةُ النضرِ بن الحارث، وأَنه كان " يُشَوِّشُ " على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، بما كانَ يَحكي للناسِ من قَصصِ مُلوكِ الفرس، ولم يَصِحّ إِنزالُ آياتٍ في قصته.
ولكنَّ الفادي جاهل، وهو لجهلِه يَعتمدُ على رواياتٍ موضوعة، وأَخبارٍ باطلة، ويَبْني عليها اتهاماتِه ضِدَّ القرآنِ والرسولِ - صلى الله عليه وسلم -، وهو يَجمعُ بينَ الجهلِ والحِقْدِ والافتراءِ والادّعاء!!.
أ - هل أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حادثة المعراج من الفرس؟ :
ادَّعى الفادي المفترِي أَنَّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - لم تَحْدُثْ له حادثةُ الإِسراءِ والمعراج، وإنما قرأَ هذه القصةَ في كتابٍ فارسي، بلغةٍ فارسية، ونَسَبَها لنفسه، وادَّعى أَنه هو الذي عُرِج به!!.
لِنقرأ هذه الفقرةَ الفاجرةَ من كلامِ الفادي الفاجر: " جاءَتْ قصَّةٌ فارسيةٌ قديمةٌ في كتابٍ باللغةِ الفارسية، اسْمُه: " أرتيوراف نامك "، كُتِبَ سنةَ أَربعمئةٍ قبلَ الهجرة، وموضوعُ القصةِ أَنَّ المجوسَ أَرْسَلوا روحَ " أَرتيوراف " إِلى السماءِ، وَوَقَعَ على جسدِه سُبات، وكان الغرضُ من رحلتِه هو الاطلاع على كُلِّ شيء في السماء، والإِتيانَ بأَنبائِها.
فعَرَجَ إِلى السماء، وأَرشَدَهُ أَحَدُ رؤساءِ الملائكة، فَجالَ من طبقة إِلى طبقة، وترقى بالتدريج إِلى أَعلى فأَعلى ولما اطَّلَعَ على كُلِّ شيء أَمَرَه " أُورمَزْد " الإِلهُ الصالحُ أَنْ يَرجعَ إِلى الأَرضِ، ويُخبرَ الزرادشتيةَ بما شاهَد.
فأَخَذَ محمدٌ قصةَ مِعْراج " أَرتيوراف "، وجَعَلَ نفسَه بَطَلَها! وقال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١)) .
وقال محمدٌ في الحديثِ عن ليلةِ الإِسراء: " أُتِيتُ بدابَّةٍ دونَ البَغْلِ وفَوْقَ الحمارِ، أَبيض يُقالُ له: البُراق، يَضَعُ خَطْوَهُ عند أَقصى طَرْفِه، فجلَسْتُ عليه، فانْطلَقَ بي جبريل، حتى أَتى السماءَ الدنيا، فاستفتَحَ ورأى آدم، ثم صَعَدَ بي إِلى السماءِ الثانية، فرأيتُ عيسى ويحيى، ثم صَعَدَ بي إِلى السماءِ الثالثة فرأيتُ يوسف، ثم صَعَدَ بي إِلى السماءِ الرابعة فرأيتُ إِدريس، ثم صَعَدَ بي إِلى السماءِ الخامسة فرأيتُ هارونَ، ثم صَعَدَ بي إِلى السماءِ السادسة فرأيتُ موسى، ثم صَعَدَ بي إِلى السماءِ السابعةِ فرأيتُ إِبراهيم، ثم رجعْتُ إِلى سدرةِ المنتهى، فرأيتُ فيها أَربعةَ أَنهار، منها النيلُ والفرات، ثم أُتيت بإِناءٍ من خَمْرٍ وإِناءٍ من لَبَن، وإِناءٍ من عَسَل، فأَخَذْتُ اللَّبَن، فقال: هي الفطرةُ أَنتَ عليها وأُمَّتُكَ ... ".
إِذَنْ: لم يحدث الإِسراءُ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا العروجُ به إِلى السمواتِ العُلَى، والذي اكتشفَ هذه الحقيقةَ هو هذا القِسّيسُ الفادي، حيث اطَّلعَ هذا الفادي على المرجعِ الذي أَخَذَ منه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ادِّعاءَه.
إِنه كتاب فارسي قَديم، مُؤَلَّف بلغةٍ فارسيةٍ قديمة، يتحدَّثُ عن أُسطورةِ معراج " أَرتيوراف "، وقد اطَّلَعَ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - على هذا الكتابِ الفارسي، وهو متمكِّنٌ من اللغةِ الفارسية في نظرِ الفادي المكتَشِف، لأَنه عالِمٌ باللُّغاتِ المختلفة، قراءةً وكتابةً ومحادثة، ومنها العربيةُ والآراميةُ والحبشيةُ والفارسية واليونانية والرومانية والعبرية و....
وأُعجبَ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - بقصةِ أَرتيوراف، وادَّعاها لنفسه، وكَذَبَ على الناس، وزَعَمَ أَنه هو الذي عُرِجَ بهِ إِلى السماءِ وليس أَرتيوراف!! وأَثبتَ ذلك في قرآنِه الذي أَلَّفَه، وادَّعى أَن اللهَ أَوحى به إِليه!!.
هكذا يُسجلُ الفادي المجرمُ كلامَه، ويُدَوِّنُ اتِّهاماتِه لرسولِنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، ويَلْبَسُ ثوبَ الموضوعيةِ والحياد، ويقولُ كَلاماً حاقِداً لا يَصدُرُ عن منصفٍ مُحايد!!.
ب - هل أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصف الحور العين من الفرس؟ :
ادَّعى الفادي المجرمُ أَنَّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ وَصْفَ الحورِ العينِ في الجنةِ عن كُتُبِ الفرس، ووَضَعَه في القرآن، ونَسَبَه إِلى الله، قال: " أَخَذَ القرآنُ الاعتقادَ بوجودِ الحورِ العينِ في الجَنَّةِ مما قَالَه الزرادشتيةُ القُدَماءُ، عن وُجودِ أَرواح الغاديات الغانياتِ المضيئاتِ في السماء، وأَنَّ مكافأةَ أَبطال الحروبِ هي الوجودُ مع الحورِ ووِلْدانِ الحور، وكانَ الاعتقادُ بوجودِ الحورِ سارِياً عندَ الهنودِ أَيْضاً، وكلمةُ " حوري " في لغةِ " أُوْستا " (وهي من لُغاتِ الفرسِ القديمة) تَعْني الشمسَ وَضَوْءَها، وفي اللغةِ البهلويةِ " هور "، وفي لغةِ الفرسِ الحديثةِ " حنورِ "، ولَفَظَها العَرَبُ " حُور " أكتاب " شرائع منوا " فصل: ٥، البيت: ٨٩، فَجَرْياً على هذهِ العقيدةِ الفارسيةِ والتعبيرِ الفارسيِّ قال القرآن: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (٧٢)) .
وقال: (وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣)). رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مطلعٌ على كُتُبِ الفرسِ القديمة، وخبيرٌ باللغةِ الفارسية، يَذهبُ إِلى بلادِ الفرس، ويقرأُ تلك الكتب، ويأخُذُ منها ما يُريد، ويَصوغُه باللغةِ العربية، ويجعَلُه قرآناً، واكتشفَ الفادي الباحثُ ذلك، وذَكَرَ لنا الكتابَ الذي كان محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - يأخذُ منه إ!.
من ما أَخذَه من ذلك الكتابِ القولُ بأَنَّ في الجنةِ نساءً من الحورِ العين، فهذه عَقيدةٌ فارسيةٌ زرادشتيةٌ، وكلمةُ " حور " هنديةٌ فارسية، معناها الشمسُ، حَوَّرَها الفرسُ إِلى " هور "، وأَخَذَها منهم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - وحَرَّفَها إِلى كلمةِ " حور ".
هذا ما يقررُه الباحثُ المتمكِّنُ من فقهِ اللغات، الفادي أَفندي!!. إِن كلمةَ " حَوْرٌ " كلمةٌ عربيةٌ. أَصيلة، وكانَ يَستعملها العربُ في الجاهليةِ قبلَ الإِسلام، ويَجعلونَها وَصْفاً للنساءِ الحسانِ الجَميلات.
قالَ العالمُ اللغويُّ الإِمامُ ابنُ فارس: " الحَوَرُ: شِدَّةُ بَياضِ العينِ في شِدَّةِ سَوادِها.
قالَ أَبو عمرو: الحَوَرُ: أَنْ تَسْوَدَّ العَينُ وإِنما قيلَ للنِّساءِ: " حورُ العين " لأَنهنَّ شُبّهْنَ بالظِّباء ".
وجاءَ في لسانِ العرب: " الحَوْرُ: الرُّجوعُ عن الشيء، وإِلى الشيء. حارَ إِلى الشيء: رَجَعَ إِليه. وأَحارَ عليه جوابَه: رَدَّهُ. و: المحاورةُ: المجاوبة. و: الحَوَرُ: أَنْ يَشتدَّ بياضُ العينِ وسَوادُ سَوادِها، وتَستديرَ حَدَقَتُها، وتَرِقَّ جُفونُها، ويَبْيَضَّ ما حوالَيْها. وقيل: الحَوَرُ شِدَّةُ سَوادِ المقلَةِ في شِدَّةِ بياضِها، في شِدَّةِ بَياضِ الجَسَد.
قال الأَزهري: لا تُسَمّى حوراءَ حتى تكونَ مع حَوَرِعَيْنَيْها بيضاءَ لونِ الجَسَدِ .. والأَعرابُ تُسَمّي نساءَ الأَمصارِ حواريات لبياضهِنَّ، وتَباعُدِهنَّ عن قَشْفِ الأَعراب بنظافتِهنَّ فالحواريّاتُ من النساء: النقيّاتُ الأَلوانِ والجُلودِ لبياضهِنَّ".
وبهذا نَعرفُ أَنَّ مادَّةَ " حَوْرٌ " عربيةٌ أَصيلة، في جَذْرِها واشتقاقاتِها وتَصريفاتِها واستعمالاتِها، وليستْ فارسيةً أَو مُعَرَّبَةً عن الفارسية، كما زعمَ هذا الفادي المفترِي.
وقد وَرَدَتْ مادَّةُ " حَوْرٌ " في القرآنِ ثلاثَ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَوَرَدَ منها الكلماتُ التالية: يَحورُ بمعنى: يَرجعُ: مرةً واحدة.
و: يُحاورُ بمعنى: يُراجعُ ويُناقشُ ويُجادلُ في الكلام. وَرَدَ مرتَيْن.
و: تَحاوُرٌ: بمعنى المراجعة والمناقشة. وَرَدَ مرةً واحدة . و: حورٌ عين: صفةُ نساءِ الجَنَّة. وَرَدَ أَربعَ مرات. و: الحواريّون: أَصحابُ عيسى - عليه السلام -. وَرَدَ خمسَ مرات.
قال اللهُ عن الحورِ العين: (كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤)) . وقال تعالى: (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠)) .
وقال تعالى: (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٧١) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (٧٢) . وقال تعالى: (وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣)) .
ب - هل سلمان الفارسي هو مؤلف القرآن؟ :
من مفترياتِ الفادي المفترِي الكبيرةِ الفاجرةِ زَعْمُهُ أَنَّ مُعَلِّمَ النبيِّ - عليه السلام - هو سلمانُ الفارسيُّ - رضي الله عنه -، كان يُلَقِّنُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - القرآنَ، فيصوغُه بدوْرِه بالعربية، ويَنسبُه إِلى الله!!.
قال تحتَ عنوان: " مُلَقِّنُ محمدٍ: سلمان الفارسي ": " شهدَ القرآنُ أَنَّ المقصودَ بإِملائِه القصصَ الفارسيةَ علي محمدٍ هو سلمانُ الفارسي، فقال: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)) .
وسلمانُ هذا فارسيّ أَسلم، وكان من الصحابة، وهو الذي أَشارَ على محمدٍ وَقْتَ حصارِ المدينة بحفْرِ الخندق، فنفَّذَ محمدٌ نصيحتَه، وهو الذي أَشارَ على محمدٍ باستعمال المنجنيقِ في غزوةِ ثقيف في الطائف.
وقد اتهمَ العربُ محمداً أَنَّ سلمانَ هذا هو الذي ساعَدَه على تأليفِ قرآنه، ومنه اسْتَقى الكثيرَ من قَصَصه وعباراتِه، ومع أَن محمداً قال: إِن سلمانَ أَعجميّ والقرآنَ عربيّ، ولكن هذا لا يمنعُ أَنْ تكونَ المعاني لسلمان، وصياغتُها في أُسلوبها العربي لمحمد".
يَكْذِبُ المفْتَري عندما يَزعُمُ أَنَّ القرآنَ شَهِدَ أَنَّ المقصودَ بإِملاءِ القَصصِ الفارسيةِ على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هو سلمانُ الفارسيُّ - رضي الله عنه -، وأَنه هو الأَعجميُّ المقصودُ بقوله تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)) .
لم يَقُلْ أَحَدٌ من العلماءِ المسلمين أَن الآيةَ نازلة في سلمانَ الفارسي، لأَنَّ سورةَ النحلِ مكية، ولم يكنْ سلمانُ مُسْلماً وقْتَ نزولِها، إِنما أَسلمَ في المدينةِ بعدَ الهجرة.
والراجحُ أَنَّ المقصودَ بالآيةِ بعضُ العبيدِ الأَعاجمِ في مكة. روى الواحديُّ في " أَسبابِ النزول "، والطبريُّ في تفسيرِه، عن عبدِ الله بنِ مسلم الحضرميِّ - رضي الله عنه -: أَنه كانَ لهم عَبْدانِ من أَهْلِ غَيْرِ اليمن، وكانا طِفْلَيْن، وكان يُقالُ لأَحَدِهما: يَسار، وللآخَر. جَبْر.
فكانا يَقْرَأانِ التوراةَ، وكانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ربما جَلَسَ إِليهما. فقالَ كفارُ قريش: إِنما يَجلسُ إِليهما يتعلَّمُ منهما، فأَنزلَ اللهُ قولَه تعالى: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)) .
وقالَ محمدُ بنُ إِسحاق في السيرة: كانَ الغلامُ النصرانيُّ واسْمُه " جَبْر " عَبْداً لبعضِ بني الحَضْرَمي.
وقالَ عِكرمةُ وقَتادة: كان اسْمُه يعيش. وقالَ ابنُ عباس: كان اسْمُه بلعام. وبعدَ أَنْ ذكرَ الحافظُ ابنُ كثير الاختلافَ في اسمِ ذلك الغلامِ الأَعجميّ، قال: " وقالَ الضَّحّاكُ بنُ مزاحم: هو سلمانُ الفارسي.
وهذا القولُ ضَعيف، لأَنَّ هذه الآيةَ مكية، وسلمانُ إِنما أَسلمَ بالمدينة ". وقالَ ابنُ كثير في تفسيرِ الآية: " يَقولُ تعالى مُخْبِراً عن المشركين، ما كانوا يقولونَه من الكذبِ والافتراءِ والبُهْت، أَنَّ محمداً إِنما يُعَلِّمُه هذا الذي يَتْلوهُ علينا من القرآنِ بَشَر. ويُشيرونُ إِلى رجلٍ أَعجمي كان بينَ أَظْهرِهم، غُلامٌ لبعضِ بُطونِ قريش، كان بَيّاعاً يَبيعُ عند الصفا، وربما كانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجلسُ إِليه ويُكلمُه بعضَ الشيء، وذاك كانَ أَعجميَّ اللسانِ لا يَعرفُ العربية، أَو أَنه كانَ يَعرفُ الشيءَ اليسير، بقَدْرِ ما يَرُدُّ جَوابَ الخطابِ فيما لا بُدَّ منه، فلهذا قالَ اللهُ تعالى رَدّاً عليهم في افترائِهم ذلك: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)) .
أَي: القرآنُ لسانٌ عربيٌّ مبين، فكيفَ يتعلَّمُ مَنْ جاءَ بهذا القرآنِ - في فصاحتِه وبلاغتِه ومعانيه التامةِ الشاملة، التي هي أَكملُ من كُلِّ كتابِ نَزَلَ على بني إِسرائيل - من رجلٍ أَعجميٍّ؟ لا يَقولُ هذا مَنْ له أَدنى مِسْكَةٍ من عَقْل.. ".
لقد كَذَبَ الفادي المفترِي كذبتَيْنِ كبيرتَيْن: كَذَبَ عندما زَعَمَ أَنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ هذا القرآنَ عن رجلٍ أَعجمي، ولا نجدُ في الرَّدِّ عليه أَبلغَ من قولِه تعالى: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)) .
والكِذْبةُ الثانيةُ عندما زَعَمَ أَنَّ هذا الأَعجميّ المعلِّمَ هو سلمانُ الفارسيّ - رضي الله عنه -، وهو يقولُ هذا الكلامَ لأَنه جاهلٌ بالقرآنِ، وبالسيرةِ، وبالتاريخِ، وبأُسس البحثِ العلميِّ المحايدِ النزيه.
إِنه جاهِلٌ لا يَعرفُ أَنَّ سورةَ النحل مكيّة، وجاهلٌ لأَنه لا يَعرفُ أَنَّ إِسلامَ سلمانَ الفارسيِّ كانَ في المدينة.
وهو حاقدٌ متحاملٌ، يُغالطُ عندما يَدَّعي أَنَّ سلمانَ الفارسيَّ كان يُعلمُ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - العلومَ والقصصَ والأَخبارَ والمعاني، باللغةِ الفارسية، فيتلقَّفُها منه، ويَصوغُها بلغتِه العربية: " ولكنَّ هذا لا يَمنعُ أَنْ تكونَ المعاني لسلمان، وصياغتها في أُسلوبِها العربيِّ لمحمد ".
وقد كانَ سلمانُ الفارسيُّ - رضي الله عنه - خبيراً بشؤونِ الحرب، ولذلك هو الذي أَشارَ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بحَفْرِ الخندق، في السنةِ الخامسةِ من الهجرةِ، لما هاجمتْ أَحزابُ الكفارِ المدينة، ففوجئوا بذلك الخندق، الذي لم يَألَفوه من قبل.
كما أَشارَ على رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بضربِ الطائفِ بالمنجنيق، في السنةِ الثامنةِ من الهجرة.