كتاب التفسير والتأويل في القرآن - الفصل الرابع الفرق بين التفسير والتأويل (مراحل تفسير القرآن)

الوصف
الفصل الرابع الفرق بين التفسير والتأويل
(مراحل تفسير القرآن)
المرحلة الأولي تفسير القرآن:
نري المفسر فيها يفسر ألفاظ وكلمات القرآن، ويعتمد في تفسيره على الرواية والمأثور، ويورد في تفسير الآية ما في معناها من آيات أخري، ومن أحاديث نبوية صحيحة، ومن أقوال صحابة وتابعين، ومن أسباب نزول، وتفسير غريب، وناسخ ومنسوخ، وتوجيه قراءات، وشواهد أشعار. وهو في عمله هذا يفسر ظاهر الآية، ويورد المعنى القريب المتبادر منها، ونظرا لما عنده من نصوص يورد تفسير الآية من باب الجزم والقطع.
هذا كلّه تشمله المرحلة الأولي، التي هي البداية لفهم القرآن، والتي أسميناها «تفسير القرآن». ونلاحظ توفّر المعنى اللغويّ الاشتقاقي للتفسير في هذه المرحلة، فالمفسر في عمله يبين معنى الآية ويشرحه ويظهره، ويفسره ويكشف عنه.
واعتماد المفسّر في هذه المرحلة على المعلومات التفسيرية العلمية الصحيحة، وعلى آراء من سبقوه من علماء التفسير، وجهده فيها في المعرفة والاطلاع، بهدف تكوين حصيلة علمية، تؤهله للانتقال للمرحلة الثانية، وتعينه على حسن تأويل القرآن.
المرحلة الثانية تأويل القرآن:
ينتقل إليها المفسر ليكون مؤوّلا للقرآن، وينظر في القرآن على ضوء معلوماته التفسيرية التي حصّلها في المرحلة الأولي.
إنّ المؤوّل في هذه المرحلة: يمعن النظر في الجمل والتراكيب والآيات، ويعتمد في نظره على تدبره وإعمال عقله، وتقليب وجوه الرأي والنظر، وتنفذ نظراته إلي باطن الآية، ويلتفت إلي لطائفها وإشاراتها وإيحاءاتها، ويستخرج حقائقها ودلالاتها، ويلحظ المعنى البعيد غير المتبادر للذهن، وغير الظاهر من الآية، ويسجل التوجيه والرمز والومضة التي تشرق بها الآية، ويقف على غرضها ومقصودها، ويزيل ما عليها من لبس أو اشتباه، ويحلّ ما تثيره من غموض أو إشكال.
عمل المؤوّل في المرحلة الثانية عمل ذاتي، وليس اعتمادا على من سبقه كما فعل في المرحلة الأولي، ونتاجه في هذه المرحلة نتاج شخصي، وتأويلاته التي يقدمها هي ثمرة تدبّره للقرآن، ونظره فيه، وشخصيته في هذه المرحلة بارزة واضحة، وجهده الذاتي فيه ملحوظ، ورأيه مسجّل معتبر.
وكما لاحظنا توفّر معنى التفسير اللغوي الاشتقاقي في المرحلة الأولي، فإننا نري توفّر معنى التأويل اللغوي الاشتقاقي في هذه المرحلة.
إنّ التأويل هو الردّ والرجوع، والمؤوّل هنا يحقّق معناه، فعند ما يقدم تأويلاته لا بدّ أن يردّها إلي معلوماته التفسيرية، ويرجع بها إليها، فإن تعارضت تأويلاته مع النصوص التفسيرية ألغاها وتخلي عنها، لأنّها تأويلات باطلة خاطئة.
إن المؤوّل يصحح لنفسه بعد ما يؤول، ويصوّب تأويله على هدي تفسيره، وينظر في تأويله على ضوء تفسيره، ويعيد تأويله إلي تفسيره، ويرده إليه، ويرجع به عليه.
أي: يحاكم المؤوّل المرحلة الثانية «التأويل» إلي المرحلة الأولي «التفسير»، ويردّ التأويل إلي التفسير، ويفهم التأويل على ضوء التفسير.