تصويبات في فهم بعض الآيات - نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)
الوصف
نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم
(وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)
أخبر الله بني إسرائيل -الذين آمنوا بموسى عليه السلام- على لسان نبيهم موسى أن الله قد فضَّلهم على العالمين. وقد أشار القرآن إلى هذا المعنى في أكثر من آية. منها قوله تعالى:
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
ولما خرج بهم موسى عليه السلام من مصر، وأنجاهم الله من فرعون، وأتوا على قوم يعكفون على أصنامٍ لهم، وطلبوا منه أن يجعل لهم صنماً كأصنام القوم، عنَّفهم موسى على ذَلك الطلب المرذول، وقال لهم -من جملة ما قال-: {أَغَيْرَ اللهِ أَبْغيكمْ وَهوَ فَضلَكمْ عَلى العالَمين}.
وقال الله تعالى عن أولئك اليهود الذين آمنوا بموسى عليه السلام: {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ}.
وقال عن أولئك الصالحين أيضاً: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
وقد حرَّف اليهود -كعادتهم في التحريف- معاني هذه الآيات، واعتبروها شاهدةً لنظرتهم العنصرية المتعالية، وزعموا للشعوب الأخرى أن القرآن الكريم يقرر تفضيل اليهود على العالمين، وأنهم -من ثَمَّ- شعب الله المختار، الذي سخَّر له كل الأقوام والشعوب الأخرى. وإذا جادلهم مسلمٌ، وأراد إبطال مزاعمهم وافتراءاتهم، واجهوه بهذه الآيات. وقد يُفحمون بهذه الآيات بعض المسلمين، الذين لا يعرفون معناها، ولا يفهمونها حق فهمها.
بنو إسرائيل فضَّلهم الله على العالمين، نعم. هذه حقيقة لا ينكرها مسلمٌ مؤمن، لأنها وردت في صريح القرآن ..
لكن أيُّ بني إسرائيل نالوا هذا التفضيل؟ وأيُّ العالمين الذين فضَّلهم الله عليهم؟ وما هي مظاهر هذا التفضيل وأسبابه؟ وما هو زمانه؟ وهل هو موقوت بزمانٍ معين، أو دائمٌ حتى قيام الساعة؟.
عندما نعرف الإِجابة على هذه الأسئلة نعرف معنى تفضيلهم على العالمين.
التفضيل ليس لبني إسرائيل كلهم، ليس لهم باعتبار الجنس، لأن لا محاباة عند الله، ولم يفضل الله قوماً باعتبار جنسهم وأصلهم، بل باعتبار أعمالهم وتقواهم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}.
وقد أخبر الله إبراهيم الخليل عليه السلام -الذي يزعم اليهود الانتساب إليه- بهذا: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}.
وطالما أن الله لم يفضل قوماً لأصلهم وجنسهم، فإن الله فضل بني إسرائيل بسبب إيمانهم بالله، واتباعهم لرسله، وعملهم الصالحات.
وقد وردت آياتٌ تقرر هذا المعنى:
قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}.
وقال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.
ثم إن تفضيل بني إسرائيل كان على عالمي زمانهم، وهم الأقباط والفراعنة المصريون، والكنعانيون وغيرهم من سكان فلسطين. وهؤلاؤ كان كافرين وثنيين، بينما كان بنو إسرائيل موحِّدين، ومن الطبيعي أن يفضل الله المؤمن الموحد على الكافر الوثني. ولهذا أنجاهم الله من الفراعنة، وأغرق الله فرعون وقومه، ونصرهم على القبائل الكافرة في بلاد الشام.
ماذا فعل اليهود بعد ذلك؟ كفروا بالله، وعصوا رسله، وقتلوا أنبياءه، وحرفوا كتبه، ونقضوا عهدهم معه، فبدل الله تفضيله لهم إلى غضبه عليهم، وأحل بهم سخطه ولعنته.
قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٧) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرْضِ أُمَمًا}.
وقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ}.
هذه هي الآيات التي تنطبق على اليهود في هذا الزمان. إنهم كافرون، معتدون بغاةٌ، ظالمون، وكيف يُفضل الله من هذه صفاتهم على العالمين؟.
وحتى يكون كلامنا صحيحاً مقبولاً، وحتى يكون متوافقاً مع توجيهات آيات القرآن نورد هاتين الآيتين من سورة المائدة:
قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (١٢) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ}.
فضَّلهم الله على العالمين بشرط أن يكونوا مؤمنين صالحين، والله معهم بشرط أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويؤمنوا برسل الله وينصروهم، ويقرضوا الله قرضاً حسناً. فإذا أخلُّوا بهذه الشروط أزال الله عنهم تفضيله لهم، وهذا ما حصل عملياً منهم. {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}.
إن اليهود الآن غيرُ مفضّلين على العالمين، وليسوا شعب الله المختار، وإنما هم محل غضب الله ولعنته وسخطه وعذابه، أوقع بهم الذلة والتشريد، وقطعهم في الأرض أمماً، وتأذّن ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، وألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، هؤلاء هم يهود، وهذا رصيدهم في الحياة، وهذه منزلتهم عند الله.