تصويبات في فهم بعض الآيات - نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)
الوصف
نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم
(هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)
قال تعالى:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ}.
كثيراً ما يستشهدون بهذه الآية على تمجيد العلماء، والثناء عليهم والإِشادة بهم، ولو كانوا من علماء الطبيعة والمادة والعلوم والاختراعات والاكتشافات، ولو كانوا كافرين بربهم، عاصين له محاربين لأوليائه ودينه.
كثيراً ما حرَّف بعض المسلمين معنى هذه الآية، وخرجوا منها بفهم سقيم خاطئ. فتجدهم يتحدثون عن فضل العلم والعلماء مطلقاً، ويرغبون في العلم مجرداً، ويمدحون العلماء أياً كانوا. وسرعان ما تسمعهم يقولون: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}.
الآية لا تتحدث عن العلم المجرد، ولا عن العلماء بإطلاق. الآية تتحدث عن طائفةٍ خاصةٍ من العلماء، ومجموعةٍ مباركةٍ منهم، وتعرض لسمات هؤلاء، وتبين صفاتهم. وتدعو كل من أراد أن تنطبق عليه أن يوجد في نفسه وحياته هذه الصفات والخصائص.
العالم الذي لا يساويه غيره، والجدير بأن يُسمى عالماً، ليس ذلك الذي يحمل الشهادات العالية، أو يتخصص التخصصات العلمية النادرة، أو يعيش في معمله ومختبره وميدانه الساعات العديدة والآيام الطويلة، العالم الجدير بأن يُسمى عالماً، هو الذي جمع بين ما سبق، وبين ما تقدمه الآية من صفات.
هذا العالم المقبول عند الله، هو الذي يبيت آناء الليل ساجداً أو قائماً، يحذر الآخرة، ويرجو رحمة ربه. هو الذي قاده علمه إلى الاتصال باللهِ، وربط قلبه بربه. هو الذي جمع بين علم العالم، وإيمان المؤمن، وعبادة العابد، وقنوت القانت. هو الذي يعتبر علمه عبادة لله مثل الشعائر التعبدية، هو الذي يعبد الله في محراب العبادة، وفي المعمل والمختبر، هو الذي يتوجه إلى ربه بصلاته وبعلمه وبتجاربه واختباراته، وينسِّق بين كل هذه المجالات بفطنة وذكاء، وإيمان وإخلاص.
هذا هو العالم الذي تمدحه الآية، وتقرر أنه لا يستوي مع غيره {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}.
قال سيد قطب، رحمه الله، في تفسير الآية: " هذا هو الطريق إلى العلم الحقيقي والمعرفة المستنيرة. هذا هو: القنوت لله، وحساسية القلب، واستشعار الحذر من الآخرة، والتطلع إلى رحمة الله وفضله، ومراقبة الله، هذه المراقبة الواجفة الخاشعة. هذا هو الطريق.ومن ثم يدرك اللب ويعرف، وينتفع بما يرى ويسمع وما يجرب، وينتهي إلى الحقائق الكبرى الثابتة، من وراء المشاهدات الصغيرة. فأما الذين يقفون عند حدود التجارب المفردة، والمشاهدات الظاهرة، فهم جامعو معلومات وليسوا بالعلماء ".
المراد بالعلماء في الآية إذن هم القانتون العاملون، وغيرهم ليسوا علماء ولا قانتين ولا عاملين، وإنما هم جهلاء لا يعلمون. قال الإِمام الزمخشري: " وأراد بالذين يعلمون: العاملين من علماء الديانة، كأنه جعل من لا يعمل غير عالم. وفيه ازدراءٌ عظيمٌ بالذين يقتنون العلوم ثم لا يقنتون، ويقتنون ثم يفتنون بالدنيا، فهم عند الله جهلة، حيث جعل القانتين هم العلماء ".