تصويبات في فهم بعض الآيات - نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)

تصويبات في فهم بعض الآيات - نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)

الوصف

                                                    نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم 

                                                          (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)

قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.

تقرر هاتان الآيتان حقيقةً أساسيةً من حقائق التصوّر الإسلامي الثابتة، وقاعدةً من قواعده الطردة، وأساساً هاماً في مبدأ الثواب والعقاب.

إن الثواب والعقاب على الأعمال التي يعملها الإنسان، فمن عمل خيراً جُوزِي به ثواباً، ومن عمل شراً عرَّض نفسه للعقاب.

وهذا المبدأ الرباني الثابت بشأن الثواب والعقاب، مظهرٌ من مظاهر عدل الله المطلق، الذي لا يظلم أحداً، والذي يرتب النتيجة على المقدمة، ويجعل الجزاء من جنس العمل. واعمل ما شئت، كما تَدين تُدان.

وهذا المبدأ من مظاهر علم الله الشامل لكل ما يعمله الإنسان، حيث لا يغيب عن الله شيء، وما يعمله الإنسان مثبّتٌ ومسجّلٌ ومحفوظٌ في سجل أعماله، ويوم القيامة يُحضَر هذا السجل للحساب، ويوضع في الميزان الحساس الدقيق الذي لا يلغي مثقال ذرة، ولا يضيعها.

من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، مهما كان انتماؤه ودينه، حتى لو كان كافراً. ومن يعمل مثقال ذرّة شراً يره، مهما كانت عبادته، حتى لو كان وليّاً.

وقد يأتي أحد الكافرين -وبخاصة اليهود النصارى- فيتوكأ -لهدفٍ خاصٍّ في نفسه- على هذه الآية، ويجعلها شاهدةً على قبول أعماله الحسنة التي يقوم بها، وعلى إثابته عليها عند الله يوم القيامة، وعلى كونه بسببها من أهل الجنة.

فيقول هذا اليهودي أو النصراني للمسلمين: إن قرآنكم يدل على أن أعمالنا الخيّرة مقبولةٌ عند الله، ولهذا نحن نقدم أموالاً طائلةً للمدارس والمشروعات الخيرية، وها هم أحبارنا ورهباننا يُكثرون من الذكر والصلاة والصيام والقيام -على الطريقة اليهودية أو النصرانية طبعاً- وقرآنكم يشهد على قبول أعمالهم: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}، وفهم هؤلاء مغلوطٌ خاطئ، وكلامهم تحريف لمعنى الآية.

والمثير للعجب والدهشة والاستغراب هو أن يفهم هذا الفهم المغلوط بعض المسلمين، وأن يردد هذا الكلام بعض حملة العلم من المسلمين.

نقل سيد قطب عبارةً عجيبةً للشيخ محمد عبده بهذا الخصوص. قال: جاء في تفسير الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده لقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}: وما نقله بعضهم من الإجماع على أن الكافر لا تنفعه في الآخرة حسنة، ولا يخفف عنه عذاب سيئة ما، لا أصل له.

لا بد من قرْن هاتين الآيتين بآياتٍ أخرى صريحة، تحدد مبدأ قبول الأعمال عند الله، وتشترط الإِيمان والدخول في الإِسلام لقبول أعماله، ونجاته من العذاب يوم القيامة.

قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ}.

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.

وقال تعالى: {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثوراً}.

نقرر هذه الآيات الثلاث حقيقةً قرآنيةً قاطعة، تُعتبر أساساً من أسس التصور الإسلامي في قبول الأعمال.

إن الإيمان بالله، والتصديق بكتب الله، واتِّباع رسل الله، والدخول في دين الإسلام -الذي هو الدين عند الله، ولن يقبل الله ديناً غيره يوم القيامة- إن هذا كله شرطٌ لقبول الأعمال عند الله، ومنح الثواب لأصحابها يوم القيامة، وإدخالهم جنّة الله سبحانه.

ومن هذا نفهم أن أعمال الكافرين الصالحة غير مقبولةٍ منهم يوم القيامة، وأن الخيرات التي يقوم بها اليهود والنصارى لا يثابون عليها يوم القيامة.

وأنه لا يجوز لأحد هؤلاء الكافرين أن يُحرّف معاني الآيات، كما لا يجوز لمسلم أن يخالف مقرراتٍ أساسيةً لنصوص القرآن الصريحة.

بعد هذا البيان قد يتساءل أحدهم: إن الكافر قد يعمل أعمالاً حسنة، وقد يقوم ببعض الأمور الخيرية، وُيقدم أموالاً لمشاريع خيرية. وطالما أن القرآن يقرر عدم قبولها يوم القيامة فماذا يأخذ صاحبها عليها؟ هل تُلغى في الدنيا كذلك؟ وهل يخرج منها صفر اليدين؟ إن هذا لا يتفق مع عدل الله الذي لا يضيع شيئاً!.

نقول: لا يعني هذا عدم قبولها منهم في الدنيا، بمعنى أن الله لا يحاسبهم عليها في الدنيا. 

إن الله يحاسب هؤلاء على أعمالهم في الدنيا، ويثيبهم عليها في الدنيا، ويكون هذا من باب تعجيل حسناتهم لهم في الدنيا، لأنها غير مقبولة يوم القيامة. ويكون هذا الثواب في صورة تيسير سبل الحياة التي يعيشونها، كأنْ يوسِّع لهم في الرزق، ويمتّعهم بصحة الأبدان، والتوسع في العمران، وكثرة الأموال والثمرات. فإذا بقي لأحد هؤلاء الكافرين عند ربه حسنات، سهَّل الله عليه الموت، حتى يموت وليس له عند الله حسنة واحدة. لأنه سيذهب إلى نار جهنم يوم القيامة.

بينما المسلم إذا أذنب ذنوباً، عاجله الله بالعقوبة في الدنيا -إن أراد العفو يوم القيامة- فضيَّق عليه في رزقه وحياته، وابتلاه بالأمراض والغمّ والهمّ والحزن والألم، فإذا بقي عليه سيئاتٍ، شدّد الله عليه الموت، بحيث يموت نظيفاً وليس عليه سيئة واحدة.