التعامل مع القرآن - مقاصد القرآن ( تكريم الإنسان ورعاية حقوقه 2 )

التعامل مع القرآن - مقاصد القرآن ( تكريم الإنسان ورعاية حقوقه 2 )
371 0

الوصف

التعامل مع القرآن 
مقاصد القرآن

وتأكيدا لهذه الكرامة الإنسانية قرر القرآن (منذ أربعة عشر قرنا) ما تتغنى به الإنسانية اليوم، ويظنه بعض الجاهلين من ثمار العصر الحديث، وأعني به ما يطلق عليه (حقوق الإنسان) :

حق الإنسان في حرية النظر والتفكير قرره القرآن في مثل قوله تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)(يونس: 101) ، وقوله: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) (سبأ: 46)

وحق الإنسان في حرية الاعتقاد قرره القرآن بقوله: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)(البقرة: 256) ، وقوله: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس: 99)

وقرر حرية القول والأمر والنهي بقوله: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(التوبة: 71)

وحق الإنسان في المساواة بغيره من الأجناس والألوان والأنساب، قرره القرآن بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)(الحجرات: 13) ، وقوله: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ) (المؤمنون: 101)

وحق الإنسان في الاستمتاع بالطيبات من الرزق، ومن زينة الله التي أخرج لعباده: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) (الأعراف: 32)

وحق الإنسان في الزواج وتكوين الأسرة، رجلا كان أو امرأة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(الروم: 21)

وحق الإنسان- بعد الزواج – في الإنجاب: (وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً) (النحل: 72)

وحق الذرية في الحياة، بنين كانوا أو بنات، ولهذا حمل القرآن على أهل الجاهلية، الذين وأدوا بناتهم وقتلوا أولادهم من إملاق واقع، أو خشية إملاق متوقع، واعتبر ذلك خطئا كبيرا وإثما عظيما. قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)(الأنعام: 151) ، (وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) (الإسراء: 31) ، (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)(التكوير: 8، 9) ، (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ)(النحل: 58، 59)

وحق كل إنسان في الحياة، ما لم يرتكب جرما موجبا إباحة دمه شرعا: (وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ) (الأنعام: 151 والإسراء 33) ، كما قرر القرآن مؤكدا ما جاء في الكتب السابقة: (أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)(المائدة: 32)

وحق كل إنسان في العمل والمشي في مناكب الأرض، سعيا لكسب رزقه: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ) (الملك: 15) ، حتى في يوم الجمعة، فقبل صلاة الجمعة يقول: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)(الجمعة: 9) ، وبعد صلاة الجمعة يقول: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (الجمعة: 10) ، وحتى في الحج: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ)(البقرة: 198)

وحق كل إنسان في أن يتمتع بثمرة ما كسب من حلال، عن طريق التملك، رجلا كان أو امرأة: (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ)(النساء: 32) ، ولا يجوز لأحد العدوان على شيء مملوك للغير ملكية مشروعة: (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)(النساء: 29)

وحق الإنسان في احترام مسكنه الخاص وعدم دخوله إلا بإذنه قرره القرآن بقوله: (لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ) ، (.... وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ) (النور: 27، 28)

وحق الإنسان في صيانة دمه وماله، وحماية ملكه الحلال، قرره بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)(النساء: 29)

وحق الإنسان في صيانة عرضه وكرامته، قرره بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ)(الحجرات: 11)

وحق الإنسان في الدفاع عن نفسه، قرره بقوله: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة: 194)

وحق الإنسان في العدل والإنصاف- ولو كان كافرا أو عدوا – قرره بقوله: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (النساء: 58) ، وقوله: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)(المائدة: 8) ، وقوله: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (106) وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) (النساء: 105-107) ، قالوا: إن هذه الآيات نزلت في تبرئة يهودي اتهمه بعض المسلمين بغير حق.

وحق الإنسان في كفاية العيش إن كان عاجزا أو فقيرا، في أموال الواجدين من الأفراد، قرره بقوله: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)(المعارج: 24، 25) ، وقوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)(التوبة: 103) ، وفي أموال الدولة من الغنائم والفيء، ففي كل منها حق لليتامى والمساكين وابن السبيل.

وحق الإنسان في مناقشة أولي الأمر ومخالفة رأيهم، والاحتكام إلى الله ورسوله، قرره بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (النساء: 59)

وحق الإنسان في إنكار المنكر، ورفض الفساد، ومقاومة الظلم البين، والكفر البواح، قرره القرآن بقوله: (وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)(هود: 113) ، وقوله: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)(المائدة: 78، 79) ، كيف لا وقد قيد الله الطاعة للرسول نفسه بالمعروف وقال تعالى بيعة النساء: (وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) (الممتحنة: 12) ، وقال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)(الأنفال: 25) ، وقال على لسان نبي الله صالح: (وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ) (الشعراء: 151، 152)

بل إن الإسلام قد ارتقى بهذه الأمور من مرتبة الحقوق إلى مرتبة الفرائض والواجبات، لأن ما كان من الحقوق يمكن لصاحبه أن يتنازل عنه، أما الواجبات المفروضة فلا يجوز التنازل عنها.