التعامل مع القرآن - مقاصد القرآن (بناء الأمة الشهيدة على البشرية)

التعامل مع القرآن - مقاصد القرآن (بناء الأمة الشهيدة على البشرية)
351 0

الوصف

 مقاصد القرآن
بناء الأمة الشهيدة على البشرية

ومن أهداف القرآن الأساسية: تكوين (أمة) متميزة تطبق رسالته، وتؤسس حياتها على عقيدته وشريعته ومثله، وتربي أجيالها على هداه، وتحمل رسالته إلى العالم كله، فتحمل معها الرحمة والنور والخير للبشرية كلها، كما قال تعالى لرسوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)(الأنبياء: 107)

ولم يكن تكوين هذه الأمة بالأمر السهل في ظروف نشأة الإسلام المعروفة. فقد ولد الإسلام في جزيرة العرب، وهي قائمة على القبلية والعصبية لها، فالقبيلة هي أساس الولاء، ومصدر الاعتزاز والانتماء، فلا مكان لابن القبيلة إلا بها، بل لا وجود له إلا بها. فهي النسب والحسب، وهي السلطة والقوة، وهي الاقتصاد والسياسة، يرضى برضاها، ويغضب بغضبها، أو بغضب شيخها، ويتعصب لابن القبيلة محقا كان أو مبطلا. شعار كل واحد فيها:

"انصر أخاك- أي ابن القبيلة- ظالما أو مظلوما"

بالمعنى الظاهري للعبارة. ولقد وصف أحدهم زعيم قبيلة كبيرة بقوله: إنه رجل إذا غضب غضب به مائة ألف سيف، لا يسألونه: فيم غضب؟!

وكل قبيلة تحاول أن تستعلي على القبيلة الأخرى، وتنقص من أطرافها، ولهذا كثرت الغارات من بعضهم على بعض، حتى قال قائلهم:

وأحيانا على بكر أخينا         إذا ما لم نجد إلا أخانا!

فلما جاء الإسلام نقلهم نقلة كبيرة في عالم الفكر، وعالم الشعور، وعالم الواقع. نقلهم من سجن القبيلة الضيقة إلى باحة الأمة الواسعة. وحذر أشد التحذير من الدعوة إلى العصبية بكل ألوانها، وخصوصا العصبية للقبيلة.

وفي الحديث:

"ليس منا من دعا إلى عصبية، أو قاتل على عصبية، أو مات على عصبية"

"من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهلية"

وسئل صلى الله عليه وسلم عن (العصبية) فقال:

"أن تعين قومك على الظلم"

ففسرها بأثرها في واقع المجتمع القبلي. فصاحب العصبية مع جماعته وإن جاروا وظلموا، وضد خصومهم وإن بروا وأقسطوا أو أوذوا وظلموا، على خلاف ما جاء به الإسلام من القيام لله بالقسط: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ)(النساء: 135) ، (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا) (المائدة: 8)

وفي لحظة من لحظات الضعف البشري، أطلت النزعة القبلية عند بعض الصحابة، فتنادوا بأسماء قبائلهم: يا بني فلان، ويا بني علان. فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد الغضب. وقال:

"أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم"؟!

وقال عن دعوة العصبية كلمته المعبرة:

"دعوها فإنها منتنة"

لقد أراد الإسلام أن يبني (أمة) على أساس العقيدة والفكرة، وليس على أي أساس مادي أو أرضي مما يبني عليه البشر أممهم، من عنصر أو لون أو لغة أو أرض، مما ليس للإنسان فيه إرادة واختيار. بل هو قدر مفروض عليه، فلم يختر الإنسان جنسه ولا لونه ولا لغته ولا أرضه التي ولد فيها، إنما ورث هذا كله دون أن يكون له رأي فيه.

أما العقيدة، فالأصل فيها أنها من اختيار الإنسان، وإيمان المقلد مشكوك في قبوله، بل مرفوض عند المحققين من علماء المسلمين.

أراد الإسلام للمسلمين أن يكونوا أمة تنتسب إلى الحق لا إلى زيد أو عمرو من البشر، فهي لا تقوم على رابطة عرقية ولا لونية ولا إقليمية ولا طبقية. بل هي أمة عقيدة ورسالة قبل كل شيء.

هي أمة الإسلام، أو أمة المسلمين كما قال تعالى: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (الحج: 78) ، وهي أمة الإيمان أو أمة المؤمنين. ولهذا تنادى دائما بـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)