التعامل مع القرآن - خصائص القرآن (هل القرآن نتاج الثقافة العربية الجاهلية)
الوصف
خصائص القرآن الكريم
هل القرآن نتاج الثقافة العربية الجاهلية
أما النظر إلى القرآن باعتباره مجرد (منتج ثقافي) أو أثر ونضح للثقافة العربية السائدة في مجتمع الحجاز وقت نزوله، أو وقت ظهوره – فهم لا يعتبرونه منزلا- كما زعم بعضهم، فهو أساس الخلط والخبط، وهو مخالفة للحقيقة، ومناقضة للعقيدة.
ونزول القرآن بلغة ينطقها البشر لا يخرجه عن كونه كلام الله، ولا ينزع عنه الصفة الإلهية، أو القداسة الربانية. وإلا لم يكن هناك فرق بين الوحي الإلهي والتفكير البشري.
ولا أدري أهؤلاء ينكرون كلام الله سبحانه للبشر؟ إن كانوا كذلك فهم خصوم كل الأديان السماوية التي قامت على أن الله تعالى يكلف من خلقه رسلا اصطفاهم، وحملهم أمانة تبليغ وحيه إلى عباده. وإذا أثبتوا ذلك، فلا بد أن يكلم الله الناس بما يفهمونه من اللغات: مباشرة كما كلم موسى، أو بواسطة الوحي الجلي كما في القرآن الذي أنزله الله بلسان عربي مبين، كما ذكرنا ذلك.
فعربية القرآن ليست من صنع البشر، وأحكامه ومفاهيمه ليست من نضح ثقافة البشر مثل عرب الحجاز وتأثيرها، بل هي منزلة على البشر من سلطة أعلى منهم، سلطة الرب الخالق المعلم للإنسان: وهذا واضح من أول سورة أنزلت في القرآن: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق: 1-5)
وقد أكد القرآن نفسه أن الله تعالى أنزله عربيا، كما في قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون)(يوسف: 2) ،( وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا)(الرعد: 37)
ومن قرأ القرآن وتدبره، وكان على شيء، من العلم بحال المجتمع العربي، والمجتمعات الأخرى، وقت نزوله، تبين له – بما لا يقبل الشك- أن القرآن كان فاعلا لا منفعلا، ومؤثرا لا متأثرا، فقد صحح العقائد الباطلة السائدة، وصوب المفاهيم الخاطئة المسيطرة، وأبطل التقاليد الظالمة، وألغى الأوضاع الفاسدة، وحمل على الأباطيل المتوارثة حملة لا نظير لها، ورد على الجاحدين المشركين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وبين أنهم حرفوا وبدلوا، وكتبوا الكتب بأيديهم ثم قالوا: هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، ووضح أنه جاء (مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)(المائدة: 48)
فمن زعم أن القرآن نتاج الثقافة السائدة، فقد جهل القرآن، وجهل الواقع التاريخي، وغاب عن الوعي.
ولقد قرأ بعض الأجانب المنصفين القرآن، فقال: لو وجد هذا المصحف في فلاة، لعلم قارئه أنه كلام الله، وقالت (نبيا أبوت) أستاذة الدراسات السامية بجامعة الملكة في كاليفورنيا: القرآن مهما كان محتواه، فإنه ليس من صنع البشر، فإذا أنكرنا كونه من الله فمعناه: أننا اعتبرنا محمدا هو الإله!
ولا ريب أن كل كلام يدل على شخصية قائله، أهو رجل أم امرأة؟ شاب أم شيخ؟ حضري أم بدوي؟ سعيد أم محزون؟ عميق أم سطحي؟
ومن هنا وجدنا بعض النقاد يعزون بعض القصائد إلى قائليها بالحس النقدي الأدبي فتكون كما حدسوا.
وأي قارئ للقرآن – له عقل وحس – يستيقن أنه ليس كلام بشر، وأنه متميز عن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي يتمثل في الحديث النبوي، وإن كان في ذروة البلاغة البشرية، وإن وجود آية قرآنية ضمن حديث نبوي، يجعل لها نورا خاصا يحس به من يقرؤها أو يسمعها، ويشعر أنها ليست من جنس ما قبلها وما بعدها.
ومن روائع ما قاله الإمام ابن القيم عن (الخطاب القرآني) قوله في كتابه (التبيان في أقسام القرآن) :
"تأمل خطاب القرآن تجد ملكا له الملك كله، وله الحمد كله، أزمة الأمور كلها بيده، ومصدرها منه، وموردها إليه، مستويا على العرش، لا تخفى عليه خافية من أقطار مملكته، عالما بما في نفوس عبيده، مطلعا على أسرارهم وعلانيتهم، منفردا بتدبيرالمملكة، يسمع ويرى، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقدر ويقضي، ويدبر الأمور، نازلة من عنده، دقيقها وجليلها، وصاعدة إليه. لا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه، فتأمل كيف تجده يثنيعلى نفسه، ويمجد نفسه، ويحمد نفسه، وينصح عباده، ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم، ويرغبهم فيه، ويحذرهم مما فيه هلاكهم، ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه، يذكرهم بنعمه عليهم، ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها، ويحذرهم من نقمه، ويذكرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه، وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه، ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه، وكيف كانت عاقبة هؤلاء وهؤلاء، ويثني على أوليائه بصالح أعمالهم وأحسن أوصافهم، ويذم أعداءه بسيئ أعمالهم وقبيح صفاتهم، ويضرب الأمثال، وينوع الأدلة والبراهين، ويجيب عن شبه أعدائه أحسن الأجوبة، ويصدق الصادق، ويكذب الكاذب، ويقول الحق ويهدي السبيل، ويدعو إلى دار السلام، ويذكر أوصافها وحسنها ونعيمها، ويحذر من دار البوار، ويذكر عذابها وقبحها وآلامها، ويذكر عباده فقرهم إليه، وشدة حاجتهم إليه من كل وجه، وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين، ويذكرهم غناه عنهم وعن جميع الموجودات، وأنه الغني بنفسه عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه...." أ. هـــ