التعامل مع القرآن - خصائص القرآن ( كتاب محفوظ)
الوصف
خصائص القرآن
كتاب محفوظ
ومن خصائص القرآن: أنه كتاب محفوظ. تولى الله تعالى حفظه بنفسه، ولم يكل حفظه إلى أحد، كما فعل مع الكتب المقدسة الأخرى، التي استحفظها أهلها، كما قال تعالى: (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ) (المائدة: 44)
ومعنى حفظ القرآن: صيانته من كل تحريف وتبديل تتعرض لهما النصوص، كما تعرضت التوراة والإنجيل، من قبل.
أما التوراة: فقد كانت ألواحا مكتوبة في السطور، ولم تكن محفوظة في الصدور، فلما تعرضت النُّسَخُ المكتوبة للإحراق والضياع، عند غزو البابليين (نبوخذ نصر) لبني إسرائيل الذين (فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً)(الإسراء: 5) ولم يكن في القوم من يحفظ الكتاب كله.. فكتبوا منه نسخة لفقوها من هنا وهناك، وقالوا: هذا من عند الله، كتبها (عزرا) الوراق، دون أصل يرجع إليه، وربما ساعده غيره.
وقد أثبت علماء المسلمين – من قديم - تحريف التوراة، من عهد كتاب (الملل والنحل) إلى عهد الشيخ رحمة الله الهندي صاحب (إظهار الحق) ، وأكد ذلك البحث العلمي في عصرنا.
ومن الدراسات الجديرة بالتنويه: ما قام به د. بدران محمد بدران عن (التوراة) فقد عكف على دراسة أسفار (العهد القديم) دراسة علمية موضوعية، وانتهى من دراسته إلى نتائج غاية في الخطورة، ومن أهمها:
أولا: أصول العهد القديم ثلاثة: النسخة السامرية، والنسخة العبرية، والنسخة اليونانية، وبين هذه الأصول من الاختلافات والتناقض والتضارب ما فيها، فضلا عما فيها من زيادة ونقصان، مما يجعلنا نفقد الثقة بهذه الأصول جميعا.
ثانيا: طبعات العهد القديم عديدة، لا تكاد طبعة منها تتفق والطبعات الأخرى، وهي تتغاير من بلد إلى بلد، ومن طائفة إلى طائفة، ومن جيل إلى جيل، والمشرفون على هذه الطبعات يتعاورونها بالتعديل والتبديل والحذف والإضافة، مما يجعلها موضع الشك والارتياب.
ثالثا: أسفار العهد القديم مليئة بالروايات المتناقضة، التي لا سبيل إلى التوفيق بينها بأي حال، مما يجعل بعض الأسفار الأخرى تنطق بالكذب والبهتان، بل إن السفر الواحد تتناقض بعض إصحاحاته مع البعض الآخر.
رابعا: والعهد القديم غاصٌّ بالأساطير الوهمية، والقصص الجنسية الداعرة، والأخلاق السيئة التي تنأى به عن مظاهر الطهر والتقديس.
خامسا: وهو إلى هذا يناقض الحقائق العلمية الثابتة بالتجربة الواقعية، والنظر العقلي الرشيد، ولو كان وحيا سماويًّا ما ظهرت فيه هذه الأخطاء.
سادسا: انتهى من دراساته إلى الأصول التي استمد منها كتاب العهد القديم معلوماتهم، ومن أهمها:
1- نشيد إخناتون.
2- حكم أمينوبي.
3- قانون حمورابي.
والواقع أن الدارس للعهد القديم يجد فيه تيارات عديدة شنيعة، منها: تشويه صورة الذات الإلهية، وتلويث الأنبياء، ومجافاة العقل السليم، ومناقضة العلم الصحيح، والتناقضات العديدة بين أسفار العهد القديم، بل بين إصحاحات السفر الواحد. هذا إلى جانب التعصب الأعمى لشعب بني إسرائيل، مما يجعلنا لا نمنحه أي ثقة، ولا نضفي عليه أي تصديق.
وهذا يتفق مع ما انتهى إليه الغربيون من بحوث جادة حول الموضوع، فقد أثبتت الدراسات الحديثة للغربيين أنفسهم – بالأدلة العلمية – تحريف التوراة، وأن فيها نصوصا لا يمكن أن تكون مما أنزله الله على موسى. فقد كتب إسبينوزا الفيلسوف اليهودي المتحرر نقدا قويا للعهد القديم، أثبت فيه عدم صحة نسبته لمن نسب إليهم من الأنبياء، وبخاصة التوراة، حيث أثبت بالدليل القاطع أنها كتبت بعد موسى بمئات السنين، وذلك في كتابه القيم (رسالة في اللاهوت والسياسة)
وقد طالب بعض العلماء والمفكرين في الغرب بوجوب إبعاد (الكتاب المقدس) – ولا سيما العهد القديم – عن مدارس الأولاد والبنات، لما تضمنه من أمور تنافي الحياء والآداب العامة.
هذا في شأن التوراة.
*//*أما الإنجيل الذي أوحاه الله إلى المسيح عيسى، فيبدو أنه قد فقد بعد عيسى بزمن قصير، ولم يعد يعرف عنه شيء، كل ما يعرفه الناس هو (الأناجيل) المنسوبة إلى أصحابها. والمعروف منها الآن أربعة، لمتى ومرقص ولوقا ويوحنا، وهذه الأربعة اختيرت من بين حوالي سبعين إنجيلا، حكم بتحريم قراءتها، بل بإتلافها.
وهذه الأناجيل لا تخرج عن كونها سيرة للمسيح، مشتملة على بعض مواعظه وأقواله، وهي مختلفة متناقضة فيما بين بعضها وبعض، بل كل إنجيل منها متناقض في نفسه.
وقد اختلف في تاريخ تأليف هذه الأناجيل، وفي اللغة التي كتبت بها أساسا، والتي ترجمت إليها، وشكك الدارسون المحققون في صحة نسبتها إلى مؤلفيها، ونقل الشيخرشيد رضا في (مجلة النار) عن دائرة المعارف الفرنسية: أن الأناجيل الأربعة المعتمدة لدى النصارى لم تظهر إلا بعد ثلاثة قرون من تاريخ المسيح.
وقرر الأب عبد الواحد داود، المطران المسيحي الآشوري، الذي اعتنق الإسلام، في كتابه (الإنجيل والصليب) : أن الأناجيل المعتبرة الآن لم تكن معترفا بها قبل القرن الرابع الميلادي.
وهذا الذي حدث للتوراة وللإنجيل –من تحريف وتبديل وتضييع- ناشئ من أن الله تعالى لم يتكفل بحفظهما، بل وكل ذلك إلى أهلهما، لأن كلا منهما كتاب موقوت، لرسالة موقوتة، لقوم مخصوصين، وهذا بخلاف رسالة الإسلام العامة والخالدة والدائمة، فهي تقتضي حفظ مصادرها من أن تمتد إليها يد التغيير.
ومن أجل هذا تكفل الله تعالى بحفظ هذا القرآن، ووعد بذلك وعدا مؤكدا، بقوله سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(الحجر: 9)
والصيغة تدل على التأكيد من عدة أوجه يعرفها دارسو العربية، منها: اسمية الجملة وتأكيدها بحرف "إن" ودخول اللام المؤكدة على الخبر (لحافظون)
وقال تعالى: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)(فصلت: 41، 42)
ومن دلائل ذلك: أن أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمن مرت على نزول هذا القرآن، ولم يزل كما أنزله الله، وكما بلغه محمد صلى الله عليه وسلم، وكما تلقاه أصحابه، ومن بعدهم، جيلا إثر جيل محفوظا في الصدور، مَتْلُوًّا بالألسنة، مكتوبا في المصاحف، يستظهره عشرات الألوف من أبناء المسلمين، حتى الصبيانن منهم، بل حتى الأعاجم الذين لا يعرفون لغته.