التعامل مع القرآن - خصائص القرآن ( كتاب الإنسانية كلها )

التعامل مع القرآن - خصائص القرآن ( كتاب الإنسانية كلها )
416 0

الوصف

خصائص القرآن
كتاب الإنسانية كلها

وإلى جانب هذا هو كتاب الإنسانية كلها، وكتاب الحياة كلها، ولهذا جعله الله هدى (للناس) ، و(للعالمين) ، كما قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ)(البقرة: 185) ، وقال سبحانه: (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ)(التكوير: 27) ، (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)(الفرقان: 1) ، فليس هو كتابا لجنس دون جنس، ولا للون دون لون، ولا لإقليم دون إقليم، ولا لصنف من الناس دون آخر. ليس للعقليين دون العاطفيين، ولا للعاطفيين دون العقليين، ليس للانبساطيين دون الانطوائيين، ولا العكس، وليس للروحيين دون الماديين ولا العكس. وليس للمثاليين دون الواقعيين ولا العكس، وليس للفرديين دون الجماعيين ولا العكس، وليس للحكام دون المحكومين، ولا العكس، وليس للأغنياء دون الفقراء، ولا للفقراء دون الأغنياء، وليس للرجال دون النساء، ولا للنساء دون الرجال، إنه كتاب الجميع، ودستور الجميع، من رب الجميع.

فالقرآن دستور شامل، وصفه منزله – وهو رب كل شيء – بأنه تبيان لكل شيء، فقد خاطب الرسول المنزل عليه بقوله: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)(النحل: 89) ، وقال تعالى في شأن القرآن: (مَا كَانَ حَدِيثًا يُّفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُّؤْمِنُونَ)(يوسف: 111)

وقد قال ترجمان القرآن عبد الله بن عباس: لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله! فلم ينزله الله بيانا للعقيدة أو للعبادة فقط، فيكون كتابا في اللاهوت. ولا بيانا للفضائل والآداب فقط، فيضاف إلى كتب الأخلاق، ولا بيانا للشرائع والأنظمة فحسب، فيكون كتابا في القانون، ولكنه كتاب يضم ذلك كله وفوق ذلك كله، في نسق فريد ونظم بديع.

القرآن يعبر عن أساسيات الدين بشكل متكامل

اقرأ هاتين الآيتين: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(البقرة: 231، 232)

ترى كيف نصنف هاتين الآيتين؟ إنهما تتضمنان تشريعا للأسرة، وتتضمنان كذلك تربية وتوجيهات أخلاقية، وإرشادات دينية، وتذكيرا بالله واليوم الآخر، وتقرران علم الله بكل شيء، على حين لا يعلم البشر. فهل تحسبان في التشريع أو في التربية أو في العقيدة أو في الآداب؟ الحقيقة أنهما في ذلك كله في وقت واحد.

(يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ) (الانفطار: 6-8) يجدها تخاطب الإنسان كله، عقله ووجدانه وروحه، فلا يكتفي بخطاب القلب والضمير وحده، كما هو المعهود في كتب الدين واللاهوت قبل القرآن، ولا يخاطب الفكر والعقل وحده، كما هو شأن الفلسفة قديما وحديثا، إنما هو يخاطب الذات الإنسانية بكل مقوماتها وخصائصها وأبعادها.ومن شمول القرآن: أنه لا يخاطب العقل وحده ولا القلب وحده، بل يخاطب الكيان الإنساني كله، فيقنع العقل، ويحرك القلب، في وقت واحد كذلك. فإذا قرأن الإنسان أو سمع مثل هذه الآيات: 

يقول الأستاذ عباس العقاد رحمه الله: "يخاطب الإسلام العقل، ولا يقصر خطابه على الضمير أو الوجدان، وفي حكمه أن نظر العقل هو طريق الضمير إلى الحقيقة، وأن التفكير باب من أبواب الهداية التي يتحقق بها الإيمان: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) (سبأ: 46) (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)(البقرة: 219)

"وما كان الشمول في العقيدة ليذهب مذهبا أبعد وأوسع من خطاب الإنسان، روحا وجسدا وعقلا وضميرا، بغير بخس ولا إفراط في ملكة من هذه الملكات".

وهو لا يخاطب صنفا واحدا من البشر له اتجاه عقلي أو نفسي معين، مغفلا من عداه من الأصناف ذوي الاتجاهات المتعددة. كلا، إنه يخاطب كل الأصناف، ويشبع كل الاتجاهات الإنسانية السوية، في توازن لا يقدر عليه إلا منزل القرآن، وخالق الإنسان.