التعامل مع القرآن - خصائص القرآن (القرآن يخاطب كل الأصناف والاتجاهات الإنسانية)

التعامل مع القرآن - خصائص القرآن (القرآن يخاطب كل الأصناف والاتجاهات الإنسانية)
391 0

الوصف

خصائص القرآن
القرآن يخاطب كل الأصناف والاتجاهات الإنسانية

أ- إن طالب (الحقيقة العقلية) يجد في القرآن ما يرضي منطقه، ويأخذ بلبه إذا سمعه يصيح بالعقل أن ينظر ويفكر في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء، وأن يعتمد على البرهان وحده في العقليات: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(البقرة: 111، والنمل: 64)

وعلى المشاهدة والتجربة في الحسيات: (أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيْءٍ) (الأعراف: 185) ، (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)(العنكبوت: 20) ، (وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) (الزخرف: 19)

وعلى الصدق وتوثيق الرواية في النقليات: (ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الأحقاف: 4)

ويهيب بالعقل أن يرفض الظن والخرص، واتباع الهوى والتقليد الأعمى، سواء كان تقليد الآباء أم تقليد السادة والكبراء.

ويكفي أن مشتقات العقل، مثل: (يعقلون) ، و(تعقلون) ذكرت في القرآن ثمانيا وخمسين مرة، وذكرت مشتقات الفكر سبع عشرة مرة، وذكرت كلمة (الألباب) أي العقول ست عشرة مرة... وهذا غير الآيات التي اشتملت على كلمات ومشتقات أخر مثل: النظر والاعتبار والتدبر والحجة والبرهان والنهى والحكمة والعلم ونحو ذلك، مما يبحث عنه طلاب الحقائق العقلية، فلا يجدونه في كتاب ديني غير القرآن.

ب- والباحث عن (الحقيقة الروحية) ، يجد في القرآن ما يرضي ذوقه، ويغذي وجدانه، ويشبع نهمه وتطلعاته في آفاق الروح، في مثل قصة موسى والعبد الصالح الذي قال الله فيه: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا)(الكهف: 65)

يجد الباحث عن (الإيمان) في الخطاب القرآني ما ينشئ الإيمان البصير بالله ورسالاته ولقائه وجزائه، ويطارد الجحود والشك والنفاق، ويقيم الأدلة الناصعة على وجود الله تعالى، وعلى وحدانيته، وعظيم قدرته، وبالغ حكمته، وواسع رحمته، وعلى بعثه رسله: (مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: 165) ، وعلى عدالة الجزاء في الآخرة: (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيِجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)(النجم: 31) ، ويجلي له القرآن مصير المؤمنين نجاة وحياة طيبة في الدنيا، وفلاحا في الآخرة، ومصير المكذبين: شقاء في الدنيا، وعذابا في العقبى.

الإيمان في القرآن يبني ولا يهدم، ويجمع ولا يفرق، يسامح ولا يتعصب، فهو يوجب الإيمان بكل كتاب أنزل، وبكل نبي أرسل: (كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) (البقرة: 285)

ج- والحريص على (القيم الأخلاقية) يجد في القرآن ضالته وطلبته، وإذا كنا موضوع الأخلاق هو (الخير) فالقرآن قد دل على (الخير) كما هدى إلى (الحق) ، وقد جعل فعل الخير إحدى شعب ثلاث لمهمة المجتمع المسلم: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(الحج: 77) ، ولكنه لم يكتف من المسلم بفعل الخير، بل طلب أن يدعو إليه ويدل عليه (وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ)(آل عمران: 104)

والأخلاق في القرآن تحتل مساحة عريضة لا يتسع المقام للحديث عنها، ونوصي بالرجوع إلى الكتاب القيم (دستور الأخلاق في القرآن) لشيخنا العلامة الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله.

د- وعاشق (القيم الجمالية) يجد في القرآن ما ينمي حاسته الجمالية، ويغذي شعوره الفني، وذلك بما لفت إليه القرآن الأنظار من الاستمتاع بجمال الطبيعة في السماء (وَّزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ)(الحجر: 16) ، (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ)(الملك: 5) ، وجمال الطبيعة في الأرض ابتداء من جمال النبات: (وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج: 5)

(فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ)(النمل: 60) ، وجمال الحيوانات: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ)(النحل: 6) ، وجمال الإنسان (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) (التغابن: 3) ، وجمال المخلوقات كلها: (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)(النمل: 88)

ووراء ذلك كله ما احتواه أسلوب القرآن ذاته من جمال بياني معجز في نظمه ومعناه، وفي شكله ومضمونه، وصفه المشركون أنفسهم فقالوا: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه!